حين يكون الجنون ميزةً لا خطأ

ثقافة 2019/09/02
...

عبدالزهرة زكي
 
أعود لذلك الفصل المثير من كتاب ديفيد رانسيمان الذي وقفنا عنده الأسبوع الماضي، وكان عن الصلة بين طبيعة شخصيات رؤساء الحكومات والجمهوريات وبين أدائهم حين يكونون في المنصب، وقد انطلق رانسيمان من تجارب الرئاسة الأمريكية ورئاسة الحكومة البريطانية.
كان هذا كتاباً يحمل عنواناً متسائلاً:” ما السمات الشخصية التي تصنع أفضل القادة؛ القدرة على التحمل، الذكاء، الأنا؟”. 
لقد بدأ المؤلف بافتراض شائع يمضي إلى أن عقلاً من الدرجة الثانية كفيل بصنع زعيم من الدرجة الأولى. لكن المؤلف لا يستسلم لقول شائع، لا يصدّق تماماً الكثير من (التعميمات) في السياسة وذلك حين يعود ليؤكد أن هناك العديد من الوسائل والممكنات المختلفة للسياسي لكي يكون معها ذكياً، وهناك أشياء كثيرة يمكن للسياسيين معرفتها وهي غير معروفة لأي شخص في الخارج من السلطة. ما يهم هو ما إذا كان (السياسيون) يدركون ما يعرفونه. وإن فعلوا ذلك، فما إذا كانوا يفهمون ما هو مناسب (من اجراءات) في ضوء تلك
 المعرفة.
يعتقد رانسيمان أن الرئيس السابق أوباما هو مثال مناسب في السنوات الأخيرة إلى حد ما للرئيس الأكثر حكمة. لكن أوباما في لحظات بدا عاقلاً أكثر مما ينبغي، حسب المؤلف الذي يقول:” هذا هو التوتر العميق الآخر الذي يكمن في شخصية أي شخص يتولى أعلى منصب. قد لا تكون السمات الشخصية التي يمكن أن تربحك في الانتخابات الحاسمة هي تلك التي تناسب الدور الذي تم انتخابك من أجله”. 
لكن أوباما بقي متوازناً في الحفاظ على الطبيعة التي رآه عليها ناخبوه ممن رفعوا شعار (لا دراما، أوباما). لقد تجاوز انتقادات خصومه ممن كانوا يريدون منه الاندفاع نحو مواقف أكثر راديكالية، كانت زوجته السيدة ميشيل قد قالت، عام 2016، بصدد ذلك الشد والجذب:” كلما انخفضوا ، نرتفع”. لكن رانسيمان ينظر إلى الرئيس الحالي، ترامب، على أنه” أكثر وأقل مما ينبغي أن يكون عليه الرئيس. أكثر من ذلك، لأنه يتصرف كما لو أن قوته كانت حقًا كما يعتقد. وهو أقل، بفعل لأنه يتصرف أيضاً كما لو أن الرئاسة كانت مجرد وظيفة أخرى (رجل أعمال، مضيف تلفزيون الواقع)”. وبرغم ما يورده المؤلف عن ترامب وما تعرض له، خلال فترة وجوده في البيت الأبيض ، من شائعات متكررة عن (عجزه الفكري - فقد وُصف بشكل مختلف بأنه “معتوه سخيف”، “مثل طفل يبلغ من العمر 11 عاماً”، “مخدر”، “غبي” “و” أخرس كما القرف “. وهذا هو بالضبط ما يتحدث عنه مساعدوه وزملاؤه السابقون) إلا أن المؤلف يعود ليؤكد أن ترامب” كان أكثر نجاحاً مما يعتقد الكثيرون أنه ممكن. تبين أن استعداده لقول أي شيء - وربما تصديق أي شيء - من أجل شق طريقه كان وسيلة فعالة بشكل مدهش لزيادة سلطته إلى أقصى حد”. وقبل هذا كان ترامب قد نجح بتجاوز منافسيه. فقد هزمهم” من خلال الاستهزاء بهم، والتقليل من شأنهم ، وعندما أتيحت الفرصة، فإنه كذب عليهم. هذه هي الطريقة التي واصل بها السلوك نفسه كرئيس، واستمراره بإغضاب خصومه، لكن من سيقول
 إنه مخطئ”. بهذا ينبغي الانتباه إلى أن رانسيمان مؤلف الكتاب حرص على أن يستعير من ماكس فيبر، عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني، قوله قبل مئة عام:” أن خطر الجنون ليس مجرد نتيجة ثانوية عرضية من المنصب الرفيع. إنه جزء أساسي منه؛ ميزة، وليس خطأ”.