اشتغال الذهن فلسفياً

ثقافة 2019/09/02
...

كتاب «الفلسفة في الجسد.. الذهن المتجسد وتحديه للفكر الغربي» للثنائي جورج لايكوف ومارك جونسون يسعى الى إعادة النظر في جزءٍ مهمٍ من الأدبيات الفلسفية للأبعاد التجريبية لاشتغال الذهن البشري، وهي النتائج التي من شأنها إبراز بعض الأُسس التي تبني عليها هذه الأدبيات، وتفكيك أشكال بنائها، وخاصة البناء بوساطة الفكر الاستعاري، بغية كشف الخِطَاطَات الفكريَّة التي تبنيِها، وإتاحة آليات التفكير في الفكر حسب ما ورد في المقدمة. 
 
يذهب المؤلفان إلى أنَّ الانطلاق من النتائج التجريبية المتعلقة بطبيعة الذهن وبأشكال اشتغاله، من شأنه إعادة بناء الفكر الفلسفي وفق مرتكزات مغايرة، وهو ما يتيح قيام منظور فلسفي (مسؤول تجريبياً)، هذا المنظور التجريبي للذهن ولتجسده في الفكر هو ما يمكن اعتباره (فلسفةً في الجسد).
 
اللحم الاستعاري
المقصود، بهذا العنوان، أنَّ الكثير من التصورات التي تناولتها الفلسفة وحللتها ووطدت مفاهيمها، وتصورات مبنية انطلاقاً من استعارات ومن بعض النظريات العامة الحاضرة عند جميع البشر والتي تتناغم مع هذه الاستعارات. ولكن استعارية هذه التصورات الفلسفية جزئية، ذلك أن هذه التصورات تتضمن جانباً حرفياً، ولكنه ضئيل جداً ولا يتعدى هيكل التصور. وتعمل الاستعارات على كسو هذا الهيكل لحماً. الاستعارات هي لحم هذا الهيكل (الحرفي). بهذا المعنى تكمن الفلسفةُ، أي كل الاجتهاد الفلسفي عبر التاريخ، في اللحم
 الاستعاري.
 ‏‭‬ثمة ‬معنى ‬متصل ‬بالمعنى ‬أعلاه ‬يعدُّ ‬فيه ‬هذا ‬اللحم ‬كناية ‬عن ‬المادة، ‬وهو ‬كناية ‬في ‬هذا ‬المعنى ‬عن ‬الجسد ‬البشري، ‬وعن ‬الوجود ‬الفيزيائي ‬أو ‬الجسمي ‬عامة ‬هذا ‬هو ‬المعنى ‬هو أس العنوان وحجره، ويرى جورج لايكوف أنَّ عبارة (الفلسفة في الجسد) تشير إلى العلاقة بين الفكر والمادة، تلك العلاقة التي درستها الأدبيات الفلسفية القديمة في إطار مشكل الارتباط بين الروح/‏‏ العقل (الذهن) والجسم/‏‏ الجسد الدماغ‏‭ (‬the mind-body oblem‭)‬.‭ ‬وهو ‬المشكل ‬الذي ‬يمكن ‬بسطه ‬كالتالي: ‬هل ‬يمكن ‬لنسق ‬مادي ‬خالص ‬تتحكم ‬فيه ‬قواعد ‬الفيزياء ‬وحدها ‬أنْ ‬يكون ‬نسقاً ‬مفكراً؟ ‬هل ‬يمكن ‬لآلة ‬تخضع ‬لقواعد ‬الفيزياء ‬أنْ ‬تفكر؟ ‬هل ‬يمكن ‬أنْ ‬نسند ‬إليها ‬حالات
 ‬ذهنية‬؟‭ 
 
الواحديَّة الماديَّة
يؤكد من يدافعون عن الواحدية المادية أنَّ الذهن أو النسق العصبي المركزي عبارة عن آلة أو هو نسق مادي يخضع لقوانين الفيزياء، وانه هو اساس سيرورات التفكير والظواهر الذهنية.
 وهذان الأمران ينكرهما المثاليون المدافعون عن الانفصال بين العماد المادي
 والحالات الذهنية.
 والفكرة المركزية التي يدافع عنها الكتاب أن الفكر متجسد. ويعني ذلك أن تصوراتنا مبنية وفق استعارات مرتبطة بالجسد، أو يلعب فيها تجسدنا دوراً مركزياً. والخلاصة أنَّ لهذا الكتاب طبيعة تفكيكيَّة نقديَّة. إنه يتجه نحو إعادة النظر في العديد من التصورات الثابتة عبر
 العصور.
 إنه يتصدى إلى ترسانة فكريَّة عمرت قروناً، وما زالت مهيمنة إلى الآن. وهذا ما يعبر عنه عنوانه الفرعي: «الذهن المتجسد وتحديه للفكر الغربي».