حين يرحل الأدباء !

ثقافة 2019/09/03
...

عالية طالب
 
في غياب الحياة اختفى الشاعر “ ابراهيم الخياط” ، وفي عتمة غريبة رأيته 
ملوحا لنا بأبيات متمم بن نويرة في رثاء اخية مالك :
 
     لَقدْ لامَنِي عند القُبُورِ على البُكا… 
                                                  رَفِيقي لِتَذْرافِ الدُّمُوعِ السَّوافِكِ
     فقالَ: أَتَبْكِي كُلَّ قَـبْـرٍ رَأَيْتـهُ …
                                                    لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى والدِّكـادِكِ
     فقلْتُ: إنَّ الأَسَى يَبْعَثُ الأَسَـى… 
                                                        ذَرُونِي، فهذا كُلُّهُ قَبْرُ مـالِـكِ
 
في اخر رسالة منه ذكر أننا عائلة ثقافية يجمعنا “ اب واحد” لا يفرق بيننا ولا يعرف الضغائن وله في تعامله معنا طرقا تمتد الى المستحيل فتطوي كل دروبه وتعود لتحتضن طريقا واحدا يؤدي بنا جميعا الى بقعة لا تنتمي لمكان وزمان ثابت ، فهو في كل حين يلد ابناء جدد ويديم ابوة لا تنتهي.
رحل “ الخياط” وهو يردد رثاء الجواهري للرصافي :لغز الحياة وحيرة الألبابِ أنْ يستحيل الفكر محض ترابِ.. كان يصر على ان ترافق نعي كل اديب يرحل في غياب الحياة وكنا نسأل بعضنا متى ستوضع اسماءنا في تلك الرقعة التي تتوسط باحة اتحاد الادباء ، ونضحك ونحن نختلف في اختيار الالوان وحركات الكلمات وحجم الرقعة وهل ستضم صورة ام اسما 
فقط.
ذهبت سريعا صديقنا واختفت الحوارات ، لكن صوتك مازال صداه يهتف بقصيدة المعري في رثاء ابي حمزة الفقيه :خفـّفِ الوطء ما أظنُّ أديمَ الأرض الا من هذه الأجساد ..
كم احتوت ارضنا من اجساد وعقول لا يمكن تعويضها ابدا وكم انشد الشعراء نزف روح وهم يؤبنون احبتهم حينا بعد حين ، ولم نكن ندري اننا سنبحث عن قصائدك وهي ترثينا بعد رحيل باعد زمن تلاقينا واخرس اصوات كلمات ما زالت تنتظر من ينطقها
فينا.
رحيل الشاعر أورق دمعا وغصة وحزنا ، ولم يقف عند منعطفات لا تكاد تبصر مسافاتها ، بل أمتد ليذكرنا بكل من رحل منا في المنافي والبلدان الصامتة وفي ارض لا تعرف من ضمت من احبة انتظرنا ان يكونوا بيننا بعد ان اتعبتنا واتعبتهم غربة الارواح التي غيبتها 
الحياة.
نعرف جيدا حرصك على ما فعلت وما قدمت وما سرت عليه من عمل دؤوب، ونعرف جيدا انك لم ترحل غاضبا أو مغضبا لاحد ، ونعرف تماما ان خطوات ثقافة العراق لن تنسى من خدموها بكل تفان وحرص ووقت وجهد وراحة غائبة، نعرف ان اتحاد الادباء “ بيتنا الثاني” لا يغلق ابوابه يوما عن كل الابناء ويعرف  صدى خطواتنا اينما استقرت في جنبات هذا البلد الغارق حتى اذنيه في ابداع لا يتوقف.
ستصمت  اصواتنا لتصغي الى صداك، وستستريح عند بوابة اتحادنا ارواح كثيرة ترحب بمقدمك ، وسنمسك  آهات واحزان تندلق من كل مكان لتعيد لنا قصة الاحزان كلما قرأنا قصاصة وهامشا ورسالة سابقة ارسلتها لنا وانت تقول “ على راسي” .