هل نشعر بالتهديد اليوم ؟!

آراء 2019/09/13
...

حارث رسمي الهيتي 
 
لم تؤثر الفتوى التي اطلقها عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الاسلامية في مصر على حياة أديبنا الكبير نجيب محفوظ، ما أثر فعلاً وشل حركة يده التي يكتب لنا بها هو غبيٌ أرعن، أراد أن يطبق فتوى
 شيخه، محمد ناجي خوّل نفسه صلاحية أن يكون ممثلاً عن الله وشرعه في الأرض، فاعطى لنفسه الحق في أن يغتال محفوظ، ولمن يراجع تاريخنا البعيد والقريب فانه سوف لن يستغرب كثيراً حين يعرف ان محمد ناجي الذي اراد قتل نجيب محفوظ وطعنه بسكينه الحاد في رقبته لم يقرأ أي من روايات هذا الروائي الكبير، ولكن فتوى عبد الرحمن باعتبار ان محفوظ كافر ومرتد عن الاسلام كانت كفيلة بأن يتحرك نفر من هؤلاء ليفوز بجنة الله رغم انه وحسب اعترافه نسيَ ان يكبر على محفوظ لحظة
 طعنه!! 
وقبل محفوظ كان فرج فودة، استاذ الفلسفة المصري الرائع، احد رجالات الفكر والتنوير الذي دخل مع تلك الجماعات في مناظرات وجلسات وكتب العديد من المؤلفات والمقالات كانت بالضد من اولئك الذين أرادوا ولم ينفكوا يحلمون بان يكونوا خلفاء الله على عباده، وبعد آخر مناظرة له معهم على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب انبرى استاذ العقيدة بجامعة الأزهر محمود مزروعة لتكفير فرج فودة باعتباره مرتداً، أيام بعد هذه الفتوى ويقوم اثنان من المنتمين الى احدى الجماعات الاسلامية باغتيال فرج فودة امام مكتبه، بعد أن اتصلا بمزروعة وسألوا عن حكم المرتد فأجابهم ان حكمه القتل، ووضح لهم انه في حال لم يقتله الحاكم فحكم قتله يكون في رقاب عامة المسلمين، وبهذه الفتوى يتطوع غبيٌ آخر ليسكت صوت فودة، ليدافع عنه محمد الغزالي امام المحكمة بالقول “انه لم يرتكب جريمة قتل بل طبق حدود الله على مرتد” 
والمفارقة ان قاتل فودة ليس فقط لم يقرأ شيئاً له بل تبين في ما بعد انه لا يعرف القراءة والكتابة
 قط!!
اكبر جريمة يمكن الحديث عنها والتخوف منها هو أن تأخذ جماعات معينة أو أفراد لنفسهم الحق في انهاء حياة شخص ما لا لشيء انما لمجرد رأي أو دراسة، جماعات متطرفة تصدر أحكاماً شخصية وفتاوى لتكفير اشخاص وجماعات بل وافكار حتى، خاصة اذا كان لتلك الجماعات اتباعٌ يسيرون خلفها ويعتبرون كلامها واجتهاداتها قرارت قطعية واجبة التنفيذ، وهذا ماسارت عليه تنظيمات مثل القاعدة وداعش وغيرها، اتذكر ان القاعدة يوم كانت تسيطر على مناطق غرب العراق والانبار تحديداً، بدأت بادئ الأمر باستهداف الارتال العسكرية الخاصة بالامريكان ترافقها خطب واحاديث عن وجوب القتال ضد القوات المحتلة، لتتحول وبفعل فتوى جديدة الى استهداف من يرافق تلك الارتال من القوات العراقية وبدأ سقف الممنوعات الذي تفرضه القاعدة وافكارها تتصاعد حتى وصلت الى صالات الالعاب الخاصة بالشباب مثل البليارد
 ومقاهي الانترنت ولعب الدومينو، شيئاً فشيئاً وجدنا انفسنا نعيش حياتنا من الصباح وحتى المساء ونحن نحاول ان نفلت من محظور ما، وسارت داعش على نفس المنوال بل 
وزادت عليه، فحين تعيش تحت سيطرة داعش ما عليك سوى الأكل والنوم والعبادة، وطبعاً العبادة كما يراها هذا التنظيم، ان تعبد الله وتخشاه بطريقة ابو بكر البغدادي، أي ان تتحول فكراً وسلوكاً
 ومظهراً حتى الى عنصر من عناصرهم، تفكر مثلهم وتقاتل معهم وتنفذ ما يطلبوه، فهذا خليفة المسلمين وهذه دولة الاسلام مقابل دار الكفر وعليك الاختيار ان سمحوا لك بأن تختار طريقك بنفسك، اما موضوع ان تقول رأياً وانت بينهم فهذا حلمٌ بعيد ومغامرة تكلفك حياتك بالتأكيد، ومع سيطرتهم بهذه الطريقة فهم لا يذهبوا الى قتلك دون تمهيد قناعات مجتمعية ستتقبل قتلك، فمثل هذه التنظيمات بارعة في ان تجعل المجتمع يصدق تهمة معينة يلصقها بك هؤلاء ليتم تصفيتك فيما بعد، وبذلك سوف لن يجرأ احد ما على السؤال لماذا
 قتل فلان.
هذه النقطة حساسة جداً وخطرة في نفس الوقت، وعلى الدولة بكل اجهزتها المختصة وعقلائها أن تنتبه لمثل تلك الجماعات والجهات التي تطلق تهماً وفتاوى وتصدر قرارات وان لا تنظر اليها على اعتبارها احاديث فقط بل هي ممهدات لجريمة قتل ستقع
 لاحقاً.