الحزن في ثقافتنا

ثقافة 2019/09/14
...

صلاح حسن السيلاوي 
 
وأنت تقرأ قصيدة أو تسمع أغنية، أو تشاهد لوحة تشكيلية أو فنا تمثيليا عراقيا، تكتشف بسهولة أن الحزن قاسم مشترك لهذه الفنون، وكأنه رافدهن الأول، وباعث كينونتهن الأبدي.
لا شك في أن ظاهرة الحزن واحدة من الظواهر التي تكشف عن عمق الذات العراقية ، بالإضافة إلى  ظاهرتي(الخصب) و( العيش في التاريخ ) فالأولى تظهر واضحة من خلال انتماء لغة الابداع إلى مفردات الخصب ومثيلاتها المعنوية، والثانية تكشف عن دوران الثقافة بين إطاري التاريخ والدين، أقول ، بالإضافة إلى كل ذلك ، يمثل الحزن ظاهرة تفصح عن خصوصية الشخصية العراقية وطبيعة حياتها الثقافية.
يتسرب الحزن كالماء في الحياة ويتنفس في كل الثقافات إلا أن تنفسه لا يطغى كما هو في بلادنا على كل مجالات الثقافة والحياة العامة ، لا يمكن ذلك حتى في البلدان الفقيرة أو التي تتعرض إلى حروب مستمرة وتعيش في بيئة متردية ، لذا فالتساؤل عن جذور ذلك الحزن في ثقافتنا وأسباب اتساع مدياته، صار ضروريا لأنه طالما أثر ويؤثر في صناعة وتغيير حياتنا، فضلا عن التأثير في بعد ولون الرؤيا للحاضر والمستقبل.
ما الذي يجعل ثقافتنا مرتبطة بالحزن كل هذا الارتباط ، ولماذا بقيت محتفظة بملامحه على مدى قرون من تاريخها ؟ حتى أننا نجد الإبداع الذي وصلنا عبر التاريخ مبتلاً بالدمع وإن كانت لغته مترفة ومحملة بأسئلة الذات والعالم ، لا أريد أن أضع الحزن في موضع السلبية دائما ، لأنني اعرف انه أحد مقدسات الذات المبدعة ومحفزاتها ، لكنني أتخوف من تحوله من باعث لأسئلة الحياة والموت ولا عقلانية الوجود ، إلى باعث لتشابه النفوس وانكسارها ، كما أتساءل عن خطورة غياب العقل في لحظات التصاعد العاطفي للحزن ، تلك الخطورة المتمثلة بغرقنا في أمواج شكلياته المتوالدة بلا الغوص في ماهيته الإنسانية ، من دون الانتباه إلى أنه أحدى خصوصياتنا التي لابد لنا من التفكر كثيراً بمسبباته وأنساق تواجده ، والسعي إلى تنظيم الوعي بأهمية التعامل معه من قبل الدولة والمجتمع وتحويله إلى ظاهرة صانعة لأسئلة جديدة .
لحزننا صلة وثيقة بجذوره التاريخية ، لذلك فهو يصنع مثيلا له في ثقافتنا الآنية ، يتضح ذلك لنا من خلال تصفح التاريخ السومري والبابلي ، فالأحزان الجماعية لم تفارق الحياة القديمة وكانت صانعة لأحداث كثيرة مهمة ، هذا يعني ان الذات العراقية معتادة على تداول الحزن وأن لجذوره علاقة وطيدة بما يظهر على ملامحه في سلوكه اليومي .
لذلك فالثقافة العراقية تسعى ذاتيا ومن دون قصد إلى تجديد دائرة حزنها وبكائياتها ؟ وللأديان والعقائد تأثير واضح في تعميق هذا المنحى؟ وهذا ما جعل الحزن متداولا في الفنون والآداب إلى حد المرارة أحيانا . حتى أننا لم ننتبه إلى استثمار السعادة في أساليب ومعاني حياتنا الثقافية.