اسئلة كثيرة تتعلق بالكيفية التي يفكر الناس بها لتحريك رغباتهم الذاتية كي يحققوا أفضل مما هم عليه، ولكن هذه الأمنية ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، (التمني راسمال المفلسين). ولكن ثمة نقطة يضعها الإنسان أمامه دائما،وينظر إليها، باعتبارها نقطة الوصول إلى تحقيق الرغبات،الحقيقة أن هذه النقطة جزء من وهم سرابي نراه أمامنا،وعند الوصول إليه يتحرك الى موضعة أخرى ومن هناك يباشر رغباتنا بالإثارة.
اتحدث عن كل رغبة مهما كان شأنها، نجاح في امتحان لطالب في الابتدائية أو لقائد جيش يخوض معركة من أجل قضية ما، مرورا بملايين الرغبات الشخصية التي تتعلق بمواقف وعواطف وكسب المال والحصول على ما ينقصنا، هذه الرغبات، لو نظرنا إليها من زواية المنفعة البراجماتية تصبح جزءا من هوية الحياة نفسها،وإذا نظر إليها من زاويه التميز تصبح قضية يمكن ان نستعد لها كي تتحقق.
ساركز على قضية واحدة من قضايا الرغبة التي تستحكم اليوم بعقول وحياة الملايين الناس، وهي رغبة الحصول على المال، فالكل يعتقد أن مجرد الحصول على المال سيكون بإمكانه تحقيق عشرات الرغبات الشخصية التي كانت في خانة المستحيلات، مثلا أن يتزوج صاحب المال صوفيا لورين، أو سلفانو منكانو أو فاتن حمامة...الخ وهي رغبات مكبوتة لدى الرجال والنساء كي يمتلك الأفضل والأكثر شهرة وجمالا، لأن الرغبة عمياء. هكذا حدا الأمر بأحد السراق الفاسدين أن يشتري ملعبًا لكرة القدم في انجلترا، لكن إدارة النادي ردت طلبه لأن المال الذي يملكه هو مال مسروق من الدولة العراقية، ما الذي يجعل سارقًا يفكر بالرياضة؟ ربما يعود السؤال بنا إلى مراحل قديمة لم يحققها هذا السارق وهو أن يكون مجرد لاعب في فريق المحلة الشعبي، الرغبات وحسب فرويد قضايا مقموعة وتبقى كامنة في اللاشعور، تتحين الفرص للظهور بأي طريقة ما عندما تفتح نافذة تتنفس من خلالها، المسألة ليست في شراء ملعب، ولا في التحايل والفساد والسرقة، إنما في الطريقة التي يلجأ البعض إليها في الحصول على فرصة لتحقيق رغبة مدفونة في اللاوعي الخاص به.ويكون تحقيقها عن طريق ايذاء الآخرين.
يسلك سارق الأموال إلى طرق عديدة لتحقيق المال، منها مثلا تغيير انتماءاته، اينما يكون الزاد تكون قدماه، وهذه سنة وجدت عندما تجوع الكلاب ستمر على القصاب، عل عظمة في”الكرنة” التي يعلق عليها ذبائحه قد سقطت، ولكن السنَّة فيها بعد اجتماعي، يضغط احيانا على الشخصية لتدعي ما ليس ملكا لها، فتكون الرغبة المدفونة قد امتلكت سلاحا لتحقيقها،والسلاح هذه المرة هو التدريب الذي يحرك الرغبات، كي تتحقق. على السارق أن يتدرب كي يسرق، وعلى صاحب المال أن يتدرب كي يحافظ على امواله من السرقة.التدريب، وهو المهمة التقنية التي اشار إليها ماركس في تحقيق الرغبات البشرية، حيث يعني ماركس بالتدريب: إن الحقيقة تتطلب هي الاخرى تدريبًا من نوع معين، وهو تدريب يخص السلوك الاجتماعي لتحقيق الرغبة التي تشمل قطاعات واسعة من الناس وليست تلك التي تخص شخصًا من دون آخر، ويؤكد ماركس أن الحصول على الرغبات يتطلب التدريب على شحذ الخيال البشري “إنه دائمًا يكون حول تحريك الرغبات الإنسانية” وليست الرغبات الشريرة. بمعنى آخر، يكون التدريب جزءا من ثقافة المجتمع كي تتمكن قطاعات واسعة منه على تحقيق رغباتها.
من المفيد هنا أن نشير الى ان الطريقة التي سادت في مجتمعنا بعد 2003 لكسب الأموال، لتحقيق رغبات مكبوتة عند قطاعات واسعة من الناس، كانت سهولة تبني الاديولوجيات السريعة التشكل، وكانت عبارة عن جماعات تتفق على غاية مؤقتة ثم تنفرط، لتشكل جماعات أخرى لغاية أخرى، هذا النوع من التجمعات سرعان ما تحول إلى هويات مناطقية وعشائرية وحزبية، شهدنا كيف أن عامي 2005 و2006 قد دمرت فيهما البنية الاجتماعية. واصبح جزءا من تكوين اجتماعي هدفه تحقيق الرغبات الاجتماعية المكبوتة وهو الحصول على المال بطرق فوضوية وارهابية، وكلنا شهدنا كيف وظفوا الاطفال لزرع العبوات الناسفة في الطرق والسيارات لقاء مبالغ زهيدة، فالإرهاب لا يبدأ منظمًا بالكامل، بل يبحث عن طرق شعبية مألوفة كي يبررالعلل الاجتماعية غير المتحققة ومن ثم يشتغل عليها. فكانت الرغبات الشخصية عند قادة ومنظمي الإرهاب هي جعل قضية الإرهاب مرتبطة بتحقيق المال، عن طريق مجموعات تتفق لغاية ما. ومن ثم تحقيق رغبات سياسية مدفونة في اللاوعي عند هؤلاء القادة. وهو ما جعل الفساد المالي مصاحبا للفساد الإداري، وكلاهما مصاحب للفساد التنظيمي، الأمر الذي يخلق حالة من الصعوبة القضاء عليها متى ما تنوعت الرغبات لدى المجموعات المختلفة.
ما اردت الإشارة إليه في هذه المعالجة البسيطة، أن تحقيق الرغبات لا يتم فرديا، ففي المجتمعات الحديثة ثمة مؤسسات تعنى بتنمية التدريب الجماعي على تحقيق رغبات الشباب قبل ان تستفحل عندما لا تتحقق وتصبح مشكلة اجتماعية تسهم في تنمية العداء والعنف والإرهاب.