بغداد / هناء العبودي
ضيفت منصة ابداع في بغداد مدينة الابداع الادبي- اليونسكو الناقد المبدع الاستاذ الدكتور احسان التميمي في ندوة حوارية متميزة بعنوان «ثقافة التوثيق وتدوين الثقافة” على قاعة ستي في بيت الحكمة، المصادف 19/9/2019 ،أدار الندوة الدكتور سعد التميمي مدير المنصة.
في البداية تحدث الدكتور سعد التميمي مدير منصة ابداع عن التزام اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي المادي وغير المادي لسنة 2003 الاطراف بتوثيق المعارف التقليدية واشكال التعبير الثقافي التقليدي كوسيلة للحفاظ على التراث الثقافي، وفي هذا السياق يهدف التوثيق الى ضمان الحفاظ على المعارف واشكال التعبير الثقافي والانتفاع بها وتطويرها في سياق تقليدي على يد الشعوب والجماعات بأيامها الحاضرة
والآتية.
هكذا يبدو الصون الهدف المنشود من معظم انشطة التوثيق التي جرت حتى يومنا هذا ويتسع التوثيق بهذا المعنى ليشمل تعميم المعارف التقليدية واشكال التعبير الثقافي التقليدي والترويج لها واحيائها واستعادتها وبالتالي الحفاظ عليها من الانقراض، وهو ما يسمى بحقوق الملكية الفكرية، فان لم يوثق المثقف نتاجه فهو لا يمتلك حق الملكية، وان سبقه أحد بالتوثيق حتى وان كان هذا الامر له ستكون الملكية لمن وثق وهنا تكمن اهمية التوثيق.
فيما بين الدكتور احسان التميمي ان الانسان القديم كان يدون افعاله ونشاطاته وصراعاته وفلسفته عن طريق الكتابة في الكهوف وهناك الكثير من الحواضر التي تحتفظ بتلك المدونات عن طريق الرسوم ومن ثم تطورت الى الكتابة المسمارية، وعلى سبيل المثال مدونة ملحمة كلكامش التي كانت مسبوغة بطابع انثروبولوجي
وخرافي.
واشار التميمي الى ان العراقيين اول من دون واول من كتب واول من وثق، فعندما نتكلم عن التوثيق في منتصف القرن العشرين سنجد ان تلك المرحلة هي أكثر اندفاعا وأكثر تفاعلا وانسجاما واهتماما بالمنجز الثقافي من
المرحلة الحالية.
فيما بين الدكتور سعد مدير المنصة ان هناك ثلاثة مشاريع ركزت عليها منظمة اليونسكو وهي: بغداد مدينة الابداع الادبي والاهوار وبابل ضمن لائحة التراث العالمي ما يؤكد الاهتمام
الخارجي أكثر من الاهتمام الداخلي من اي مؤسسة.
وعن بغداد مدينة الابداع الادبي وهي واحدة من بين (21) مدينة ابداعية الوحيدة في النصف الجنوبي من الكرة الارضية برئاسة الدكتور صادق محمد رحمة المدير التنفيذي لبغداد مدينة الابداع الادبي ومنسق اليونسكو في العراق التي لاقت نجاحا كبيرا لافتا للنظر خارجيا فيما لم تلق ذلك الاهتمام في الداخل.
وعن الذاكرة الشفهية أو الشفاهية كما يسميها البعض تحدث دكتور احسان انها ذاكرة أساسية
لدى العديد من الأمم، حيث أنها تعتبر أحد أهم مرتكزات التدوين لدى بعض الشعوب. بل وتعتبر عملية عدم العناية بهذه الذاكرة تفريطا بحق الأمة والوطن... ونعتقد كذلك أن عدم الاهتمام بالذاكرة الشفاهية هو إلغاء متعمد لموروث الأمة وتغييب لذاكرتها وقطع
لجذورها.
و يعتبر التاريخ الشفوي من الوثائق المهمة التي لا تقل أهمية عن الوثائق المكتوبة لأنها تحفظ جوانب من التاريخ وسيرة الشعوب والمجتمعات الانسانية ويساعد الوقوف عليه الحصول على رصيد معرفي وعلمي بتاريخ البيئات الانسانية التي لم تدون مسيرتها في الحقب المختلفة ، الأمر الذي يجعل من ضرورة تدوين التاريخ الشفوي واستخدامه في كتابة تاريخ المجتمعات البشرية وعلى أسس علمية مسألة في غاية الأهمية خاصة في العصر الحاضر الذي بدت تأثيرات ثقافات العولمة وانعكاساتها تؤثر في الذاكرة الجمعية للشعوب التي تشكل هاجساً للباحثين وذوي الاهتمام بالتراث الشفوي للكيانات الاجتماعية المختلفة في عالم اليوم.
واكد التميمي ان علم التاريخ الشفوي علم تتنازعه مشارب عديدة من علوم التاريخ والاجتماع والأنثروبولوجيا والأدب واللغة وغيرها من العلوم الانسانية.
وينبني التراث الشفوي على مجموعة من التقاليد والأساطير والوقائع التاريخية والمعارف الانسانية التي اكتسبتها الشعوب عبر القرون من تجارب الحياة ومن العادات والممارسات العملية في انتقال غير مادي مستمر من مجتمع إلى آخر بذاكرة جمعية بواسطة الكلمة
المنطوقة.
وبالرغم من ان المختصين بدراسة التاريخ لم يعترفوا بأهمية التراث الشفوي إلا في مطلع
الخمسينيات من القرن الماضي إلا أن التراث الشفوي ظل وثيق الصلة بالتاريخ وأحداثه لأنه يعد مرآة المرحلة الحضارية والتاريخية لكل مجتمع وأنه يعبر عن أفكار ومعتقدات هذا المجتمع ويصور قدرا غير يسير من النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة فيه وفي علاقاته بالمجتمعات الأخرى مما دفع بعض الباحثين إلى الجزم بأن التاريخ المدون نشأ في أحضان التراث الشفوي.