رواية ثانية للكاتب والاعلامي العراقي خالد الوادي، هذه الرواية الطموحة التي حاولت أن تكسر طوق الاحتكار الاحترافي في السرد، وحاولت ان تفتح ثقباً في جدار الصمت المهول الذي صار يغطي الكثير من الكتاب اللهم إلّا من اخترق جدار الاحترافية وصار يمارس سردياته في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً في الفيس بوك، لكن خالد الوادي اصر على ان يدخل البيوت من ابوابها وان يفتتح كاشانه بالاعلان عن نفسه سارداً يدخل تواً اقبية السرد، أقول اقبية السرد واقصد سرانيتها وبناءاتها الفنية، وحبكاتها التي وان بدت سهلة التناول لكنها من نوع السهل الممتنع فهي كالسراب الذي يوحي للظامئين الشباب ان يقتربوا ويشربوا من معين السرد ثم يكتشفون انهم واهمون وان المسافة بينهم وبين النص الناجح مازالت بعيدة وطويلة جداً، من هنا ابتدأ خالد الوادي خطواته مدركاً صعوبة الطريق وبعد السفر وعليه أن يلم بأدواته ويتقن صنعته ويحافظ على لغته سليمة وسلسة ومطواعة وبلا تعقيد او ضعف او ركة، لهذا كتب رواية (منفى الزرازير) بضمير البطل العليم وبأناه الواضحة والساطعة كالشمس، (منفى الزرازير) محاولة سردية للصيد في بحر مضطرب الامواج تحيطه الظلمات من كل جانب، إذ فرصة النشر تكاد تنعدم والاعتراف بالمواهب الجديدة ليس هيناً واقتحام عوالم النخب السردية صعب لانه مغلق باحكام، فضلاً عن اننا لا نملك مؤسسات لصناعة النجوم وتسويق الكتاب الى المحافل الادبية والثقافية العربية والعالمية، الامر كله محصور في شارع المتنبي وبين الاصدقاء اقصد اصدقاء الكاتب من متخصصين واعلاميين وهواة قراءة ومطالعة، ومع هذا يصر الكاتب العراقي على اقتحام المجاهيل وفك طلاسم الكتابة الروائية والقيام بطباعة اعماله بماله الخاص وتسويق ما يكتب ويطبع الى البلدان العربية اما بواسطة دار نشر معينة او بسفره الى بعض الدول العربية والمشاركة في الندوات المتخصصة بالسرد او الاشتراك في معارض الكتب العربية، من هنا ايضاً كانت خطوة خالد الوادي شجاعة ومقتدرة في الامساك بناصيته الكاتبة والطباعة والتسويق وانتظار الاراء والمداخلات بخصوص روايته هذه، وبهذه الطريقة وصلتني نسخة من الرواية وقد تأخرت بقراءتها نظراً لكثرة الروايات العراقية الواجبة القراءة، ومن هنا ايضاً أشد على يد اخي وصديقي المبدع العراقي خالد الوادي لأنه وصل فعلاً الى بداية الطريق الحقيقي وهو يدخل في اعماق بطله ولاوعيه يرسم بأناة ودقة عوالم الغربة سواء في الداخل او في الخارج فارزاً العوق الجسماني والنفسي والتوق الى الانطلاق والحرية بعيداً عن كوابيس الدكتاتور وظلماته التي غشت البلاد وحولتها الى سجن مظلم، (رواية منفى الزرازير) منطقة اولى في التصدي لمحنة الانسان وعطشه وحلمه في الوصول الى الجانب الآخر من المدنية والحرية والتقدم والحضارة، وصل الى هناك وعاد ثانية الى بلاده ليجد كل شيء آيلا الى خراب، فمن حروب الدكتاتور المجنونة الى الواقع المحاصر والزيف الذي لف ثوار الامس حين هيمنت عليهم عدوى المناصب وسطوتها .. الرواية قالت الكثير واعطت حقائق وآلاماً وقدرة على توصيل الفكرة بطريقة سلسة وسهلة ....