ياسين النصير
شيءٌ مرعبٌ ومخيفٌ هذا الرقم من الأميين الذين تتراوح أعمارهم بين العشر سنوات والسبعين، ثمانية ملايين أمي يتوزعون بين محافظات العراق، كما لو كانوا أحجارًا وصخورًا تملأ سفينة البلاد لتعطّلها عن الحركة وتغرقها في بحر التجهيل. تصوورا معي أن ثمانية ملايين حجر لايقبل التفتت ولا الاندماج مع احجار اخرى إلا بما يشبهه ليبنوا جمهورية الأميين في العراق، ماذا ستكون نتائج بنائهم هذا؟ وكيف يفكر شعب بالمستقبل وفيه ثمانية ملايين أمي؟ هل يجيد هؤلاء الأميون حروف صلاتهم؟ هل يقرؤون القرآن كي يتبصّروا دينهم؟ هل يعرفون معنى الاقتصاد والسياسة والمهنة والحاجة والسوق؟
هل يدرك المسؤول أنّه يبني جمهورية للأميين ويقف على رأسهم ناصحا بما يريد لا بما يريدون؟ حقيقة وانا اقرأ الرقم المخيف في المواقع الاجتماعية تبادرت إلى ذهني سلسلة من المواقف المخزية والمخجلة عندما نتحدث عن العراق حضارة وتاريخًا وسياسة وجامعة وتعليمًا وثقافة وكيانًا عرف الثورات وأسس لها، يمتد حيث بداية الزمان، ولا ينتهي حيث لايوجد غيره في نهاية العالم، البلد الذي اخترع الكتابة والقانون وأسس للفلك علومه، ورسم خرائط للبحار، وفك رموز العناصر الأربعة، هذا البلد الكبير بتراثه وعلمائه وتاريخه وحضوره يغيب بارادة ما، عن الحضور في عالم اليوم، عندما لا ينتبه المعنيون إلى أن نصف الايدي العاملة أميّة، وأن ثلث الشعب سيصوت للذين يعتمدون تجهيله، ما هذه الكارثة المخيفة التي تحيط بنا؟، وكيف سنواجهها عندما تنفجر مطالبة بالقوت
والموت.
خبر تناقلته وسائل الاعلام، لو كان هذا الخبر في بلدان تحترم نفسها وقيمها الدينية والأخلاقية لأسست منذ اليوم جهازًا لمكافحة الأمية، ولصرفت عليه جزءا من الميزانية التي تأكل حقوق الشعب في قضايا ليست بأهمية القضاء على الأمية، ترى ماذا يحدث للعراق بعد عشر سنوات، إذا كانت سياسة التعليم تقتصر فقط على التلاميذ ومن ينجح
منهم؟
اترك الأمر لمن يكمل هذه المقالة بما يتصوره عن شعب ثلثه أميًا، لايقرأ ولا يكتب، ولا يجيد التفكير، ولا حتى إتقان حروف أصواته اليومية، فكيف بقراءة القرآن؟، كما لا يعرف كيف يحب، ويعاشر بعيدا عن الأساليب الحيوانية في العلاقات الجنسيّة، فحين لا يدخل بيته كتابًا او صحيفة، ولا يشتري قلمًا أو دفترًا، لايمكن أن نطلب منه أن يكون وطنيا ويملك حمية الدفاع عن الوطن. كما لا يسعى أن يكون محاورًا في أية قضية تتطلب رأيا. اترك للقرّاء تكملة هذا الموضوع الخطر، الذي لا يستقيم الدفاع عن الوطن وحكايته دون جيش متعلّم، وشرطة متعلّمة، وحراس لثقافته ووجوده وكيانه وتاريخه ومستقبله، فمثل هذه الحقول لا تمليها مقالتي القصيرة، بل يملؤها القرّاء، فهم جزء من الوعي المجتمعي الذي يجد في العلم نافذة إلى الجنة إن كان يؤمن بها، أو نافذة للمستقبل إن كان يؤمن بديمومة العراق، أو نافذة للحداثة إن كان يؤمن بأحقية العراق في العيش ضمن عالم
اليوم.
مايحدث اننا نقضم تاريخنا، ونقضم ما أنجز ونستعيض عن البناء ببيوت الصفيح لنبنيها في الشوارع الرئيسة للمدن ونضيع بها معالمها، ما يحدث اننا ألغينا القراءة والكتابة والحساب بمعنى ألغينا كيف نفكر؟ وماذا نحتاج لتنمية العقل؟ وما هي أولويات الأمور الواجبة، ها نحن نسجن أنفسنا في الجهل، ونطبل له ونعتلي المنابر لنرشد الناس إلى دينهم دون تعليمهم الحرف الذي ابتدأ به إنسان وادي الرافدين.