موقع الفكرة المستمر

ثقافة 2019/09/30
...

حسين رشيد
 
قد يكون السؤال المشترك بين الملايين في لحظة مشتركة «اين نحن» نعم أين نحن، والذي طالما راود الكثير في خلوتهم او في احاديثهم المشتركة مع الاخرين، قد يكون سؤالا صغيرا وعائما، وربما كبيرا ومستندا الى جملة تساؤلات اخرى انتجتها جملة المتغيرات والمنعطفات ما بعد عصر المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، لكنّه يبقى سؤال الجميع في كل مكان في ظل ظروف شديدة الاختلاف، ماالذي فقدناه وضاع منا؟ كيف سنستمر هكذا في العوائم دون مكان واضح المعالم، دون رؤيا لمستقبل وشكل المكان المقبل، التخوف من فوضى وتسارع الابتكارات وفقدان لذة المكان واشيائه المحيطة والمؤثثة له؟.
العالم الجديد او المكان العائم الجديد الذي قد يكون بديلا للمكان الثابت، هذا العالم غير المستقر مكانيا بتغيّر زماني متموّج ذي آفاق مبعثرة ورؤية مشوّشة ليس عند صنّاع هذا العالم بل عند العامة من الناس الذي عليهم التكيف مع بشائر العالم الجديد تمهيدا لدخول الأجيال
 المقبلة.
قد يطيح العالم الجديد بمكانه العائم بجملة من المعتقدات والايديولوجيات المعقدة والمنفتحة، وقد يطيح ايضا باشكال الكتابة وثقافات تجمّدت، ويبتكر اشكالا اخرى وفنونا اخرى تتوافق مع ايقاع العالم الجديد المتسارع، اشكال كتابية وقوالب ثقافية لاتعتمد على مكان ثابت، تحرق اشرطة الذاكرة، تنمو في الفضاء المتحرّك، تتشعّب وتكون قنوات تتصل بسلسلة اخرى من قنوات اكبر واكثر اتساعا، لتكون شبكة موحدة ومنفصلة بذات الوقت.
سيطيح العالم الجديد بالقصص والحكايات التي يرويها الفقراء فهي جزءٌ من يومهم وحياتهم ومكانهم المتآلف معهم، تلك الحكايات عصية الروي على الاغنياء ورفاهيتهم، وعجزهم عن تخيّل فرحة اقتناء ثوب جديد او الفرح ببيع كمية اضافية توفر مبلغ ربح ضئيلا فوق المبلغ المعتاد، هؤلاء الفقراء لن يكون لهم مكان في الكتابة السردية للعالم الجديد، ولن تكون آلامهم مادة دسمة للقص والروايات، سيبحث الشاعر عن اوجاع اخرى، بعد ان تختفي المنافي ويطيح العالم الجديد
 بالغربة.
لدى البشر والخبراء كل حسب اختصاصه اجابات عن اسئلة لم تطرح بعد، ولديهم شكوك بالكثير من الحقائق، لديهم القدرة على البقاء مدة اطول في اي مكان حتى لو كان دون جدران، واقصد هنا المكان العائم او الفضاء المفتوح، فالمكان المقبل في العالم الجديد قد يكون دون جدران او سقف لكنّه سيسمى مكان فثمة احداث وواقع يجري، لكنها دون جدوى او اهمية او فكرة البقاء او البحث في المكان.
كل ما نعيشه ونطلق عليه تقدما أو تطورا او تحضرا هو في الواقع انتقال من فكرة قديمة إلى فكرة جديدة، ما يعني أنّ ثمة حركة وتجددا، هذا الانتقال يقيم علاقة جديدة مع تقنيات التطور والتواصل المعلوماتي، وهو في الواقع تبادل للأفكار البعيدة سواء كانت ثقافية او فنية أو علمية أو فلسفية او فكرية، هذا التبادل والتواصل اثر في صنع ثقافات جديدة متحركة متغيّرة تنمو على فكرة جديدة ورؤية حديثة، على فكرة التواصل مع المستقبل أي سيكون التفكير فقط بالمقبل وكيف سيكون شكله؟، العيش في هذا العالم الجديد يتطلب منا أن نتعلّم مهارة الانتقال من فكرة إلى أخرى بجرأة وشجاعة، والبقاء على وضع الاستعداد لفكرة مقبلة.