الوفاء.. يزيد العطاء

ثقافة 2019/09/30
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
عندما نبحر في بطون الكتب، ونطلع على ثقافات ومعارف الامم والمجتمعات، نجدها تفرد مساحات ليست قليلة، للحديث عن الوفاء، بوصفه سلوكا انسانيا، يعد مرتكزا لبناء حياة يسودها التعاون والإيثار، ولا يتوقف الوفاء على الإنسان، إنما نجده يتجسد في سلوكيات كائنات أخرى، ومعنى هذا، ان هذه الصفة، ليست مكتسبة، بل هي موجودة في الكائنات ومنها الإنسان بالفطرة التي فطر الله مخلوقاته 
عليها.. 
ولذلك، فان المجتمعات التي تهتم بالوفاء لابنائها، من خلال تثمين وتقدير عطائهم، نجدها، مجتمعات متماسكة وكثيرة العطاء، عكس تلك المجتمعات التي تتنكر لعطاء الابناء، فيسودها التفكك، والضياع، فتصبح “نهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطئ 
الأقدام”.. 
ومن هنا تأتي أهمية التأكيد على ضرورة الوفاء، لكل من قدم جهدا او عملا اسهم من خلاله في خدمة المجتمع 
والدولة.. 
ولكن مايؤسف له، ان قيمة الوفاء عندنا، تنخفض الى درجة التلاشي في بعض المفاصل المهمة، ما يخلق حالة من التذمر وردود الفعل السلبية، التي تؤدي في نهاية المطاف، إلى حدوث أضرار بالغة في مصالح المجتمع، فعدم الوفاء، للابناء الذين بذلوا المزيد من العطاء، سيؤدي إلى احجام الآخرين عن التقدم لتقديم الخدمة، فينقطع سبيل المعروف، كما يقال.. وإذ اتحدث بهذه اللغة، فليس معنى هذا انني اريد ان أتقمّص، شخصية الواعظ، بقدر، ما أردت الحديث عن حالة اجتماعية تبدو غريبة في واقعنا العراقي، فقبل أيام حضرت لقاء جمع وزير التخطيط د. نوري الدليمي، بوفد يمثل المجالس البلدية للاقضية والنواحي في عموم العراق، وكان اعضاء الوفد قد تداعوا من مختلف المحافظات الغربية والشمالية والوسطى والجنوبية، جمعهم هم واحد مشترك، ذاك هو قرار إلغاء المجالس المحلية للاقضية والنواحي، من دون النظر لنتائج هذا القرار، وتداعياته على المستويين الخدماتي، والاجتماعي.
شعور بالخذلان، كان يجتاح هذه الشريحة التي مثلها هذا الوفد، يبلغ تعداد اعضاء المجالس المحلية، نحو 3500 عضو، انتابهم هذا الشعور المؤلم، بعد ان وجدوا انفسهم بين عشية وضحاها على قارعة الطريق، وكأنهم جاؤوا من كوكب اخر، وآن لهم ان يعودوا الى كوكبهم الذي قدموا منه .. 3500 انسان، وبقرار يبدو لم يكن مدروسا، وجدوا حالهم من دون عمل او وظيفة، بعد الذي قدموه من خدمات للناس، فالمجالس المحلية، دائما هي الجهة التي يعرفها الناس ويقصدونها لقضاء حاجاتهم، شريحة قدمت الكثير من التضحيات، فمن بينهم استشهد 700 عضو مجلس بلدي في مختلف انحاء العراق، في الفلوجة وحدها استشهد 5 من رؤساء المجلس البلدي للقضاء.. 
هل من المعقول ان يُجازى هؤلاء بهذه الطريقة التي تفتقر الى الانصاف، بلا عمل، حتى الذين كانوا موظفين في مؤسسات اخرى، لم يعد بإمكانهم العودة الى عملهم، لان دوائرهم، ملأت امكانهم بغيرهم، ومن دون تقاعد، ومن دون اي حل يمكن ان يحفظ لهم كرامتهم وينصفهم ويثمن الخدمات التي قدموها لاهلهم
والوطن..
يقولون، ان الوفاء يزيد العطاء، فإن لم نَفِ مع هؤلاء، فإنّ عطاء غيرهم سيتراجع، لان الاخرين عندما يرون نهاية من سبقهم بهذا النحو المزري، فانهم سيحجمون عن التقدم والتصدي للمهمة.. حقا، إني شعرت بالتعاطف معهم، اذ كان ينبغي ان نفكر بالحل قبل الحل، لكي نحفظ لهذه الشريحة كرامتها، وهي التي حافظت على كرامة الناس .. أليس كذلك ؟