لماذا ينزعج الدماغ من الأصوات العالية والخشنة ؟

من القضاء 2019/10/01
...

ترجمة/ نادية المختار
 
حلل علماء الأعصاب كيف يتفاعل الناس عندما يستمعون الى مجموعة من الأصوات المختلفة، تهدف الى تحديد مدى اعتبار ترددات الصوت المتكررة غير سارة. 
وأظهرت النتائج أن دائرة معالجة الصوت التقليدية مفعلة كون المناطق القشرية وشبه القشرية تشارك في معالجة النفور. وهذا ما يفسر سبب دخول الدماغ في حالة تأهب عند سماع هذا النوع من الصوت. تتميز أصوات المنبه، سواء كانت اصطناعية مثل منبه السيارة، أو طبيعية مثل صراخ البشر أو الضجيج، بتقلبات الصوت المتكررة والتي عادة ما تقع في ترددات تتراوح بين 40 و80 هيرتزا. ولكن لماذا تم اختيار هذه الترددات للاشارة الى الخطر؟ وماذا يحدث في الدماغ لشد انتباهنا الى هذا الحد؟ 
قام الباحثون بتشغيل أصوات تسجيلات متكررة تتراوح شدتها بين صفر الى 250 هيرتزا، على 25 مشاركا من أجل تحديد الترددات التي يجدها الدماغ غير محتملة.  
يقول البروفيسور لوك آرنال، أستاذ علوم الأعصاب الأساسية في جامعة بنسلفانيا الطبية: “لقد سألنا المشاركين متى يشعرون بالأصوات على أنها خشنة ومزعجة، أو متى يرون أنها ناعمة ومقبولة.”        
وبناء على ردود المشاركين، تمكن العلماء من اثبات أن الحد الأعلى لخشونة الصوت يبلغ نحو 130 هيرتزا. وفوق هذا الحد تسمع الترددات على أنها تشكل صوتا متواصلا واحدا فقط. 
 
غير مرغوب فيها 
ولكن لماذا يحكم الدماغ على الأصوات المزعجة بأنها غير مرغوب فيها؟ في محاولة للاجابة على هذا السؤال، طلب علماء الأعصاب من المشاركين الاستماع الى ترددات مختلفة والتي كان يتعين عليهم تصنيفها على مقياس من 1 الى 5 ، فالرقم 1 محتمل والـ 5 غير 
محتمل. 
يقول آرنال: “كانت الأصوات التي تعتبر غير محتملة تتراوح ما بين 40 و80 هيرتزا، أي في نطاق الترددات التي تستخدمها أجهزة الانذار والصراخ البشرية. ونظرا لأن هذه الأصوات محسوسة من بعيد على عكس التحفيز البصري، فمن الأهمية بمكان أن يتم جذب الانتباه من منظور البقاء على قيد الحياة. ولهذا السبب تستخدم أجهزة الانذار هذه الترددات المتكررة السريعة لتعظيم فرص اكتشافها واكتساب اهتمامنا. وفي الواقع، عندما يتم تباعد التكرارات أقل من نحو 25 مللي ثانية، لا يمكن للمخ توقعها وبالتالي قمعها. فهو دائما في حالة تأهب ويقظ للتحفيز.”
 
خارج النظام السمعي 
حاول الباحثون بعد ذلك معرفة ما يحدث بالفعل في الدماغ، ولماذا لا تطاق هذه الأصوات المزعجة؟ 
يوضح الدكتور بيير ميجيفان، استاذ الطب العصبي في جامعة بنسلفانيا: “استخدمنا مخطط كهربية الدماغ داخل الجمجمة الذي يسجل نشاط الدماغ داخل المخ استجابةً للأصوات. فعندما ينظر الى الصوت على أنه مستمر (أعلى من 130 هيرتزا)، فأنه يتم تنشيط القشرة السمعية في الفص الصدغي العلوي. وهذه هي الدائرة التقليدية للسمع. ولكن عندما ينظر الى الأصوات على أنها خشنة ومزعجة (خاصة بين 40 و80 هيرتزا) فانها تحث على استجابة مستمرة تجند عددا كبيرا من المناطق القشرية وشبه القشرية التي لا تشكل جزءا من النظام السمعي 
التقليدي.” 
وقد فوجئ أرنال، عندما علم أن هذه المناطق كانت مشتركة في معالجة الأصوات. فهذه الأصوات تلتمس اللوزة، الحصين على وجه الخصوص وجميع المجالات المتعلقة بالبهجة والكره والألم. وهذا ما يفسر لماذا عانى المشاركون منها على أنها أصوات غير محتملة.
يقول آرنال: “هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الأصوات ما بين 40 و80 هيرتزا لتعبئة هذه الشبكات العصبية، على الرغم من استخدام الترددات لفترة طويلة في أنظمة الانذار. اننا نفهم أخيرا لماذا لا يستطيع الدماغ تجاهل هذه الأصوات. اذ انه يحدث شيء خاص في هذه الترددات، وهناك أيضا العديد من الأمراض التي تظهر استجابات دماغية غير نمطية للأصوات عند 40 هيرتزا. ومن هذه الأمراض ألزهايمر والتوحد وانفصام الشخصية.” 
ويقوم علماء الأعصاب الآن بالتحقيق في الشبكات التي تحفزها هذه الترددات لمعرفة ما اذا كان من الممكن اكتشاف هذه الأمراض في وقت مبكر عن طريق التماس الدائرة التي تنشطها الأصوات. 
 
كيف يرشح دماغنا الأصوات؟
عند تكرار صوتين متطابقين بسرعة، يقلل المرشح من الانتباه الذي يوجهه الدماغ الى الصوت الثاني الذي يسمعه. فعند الأشخاص المصابين بالفصام، تعمل هذه القدرة على تقليل استجابة الدماغ للأصوات المتطابقة التي لا تعمل بشكل صحيح. 
وقد بحث علماء الأعصاب في الآلية التي تكمن وراء هذا التحسس السمعي. وأظهرت النتائج أن تصفية الأصوات تبدأ مع بداية معالجة المحفزات السمعية. 
وبدون شك أن بيئة الصوت الخاصة بنا كثيفة للغاية، وهذا هو السبب في أنه يتعين على الدماغ تكييف وتنفيذ آليات التصفية التي تسمح له بتركيز انتباهه على أهم العناصر وتوفير الطاقة. وعندما يتم تكرار صوتين متطابقين بسرعة فان أحد هذه المرشحات التي يطلق عليها- النبضة الحسية السمعية- تقلل بشكل كبير الانتباه الذي يوجهه الدماغ الى الصوت الثاني الذي يسمعه. 
ففي الأشخاص المصابين بالفصام، تعمل هذه القدرة على تقليل استجابة الدماغ للأصوات المتطابقة لأن تعمل بشكل صحيح. ويبدو أن الدماغ يتعرض باستمرار للهجوم من قبل العديد من المحفزات السمعية التي تعطل قدرته على الانتباه.     
عن ساينس ديلي