ولأنّه يحملُ رسالة الإسلام والسلام وجلّ غايته إحقاق الحق وإرساء كلمة الله ونشر الرسالة المحمديَّة بصورة واضحة وصريحة في بلاد الجزيرة وأرض السوادين، كان غير مبالٍ بمن يعادونه أو يضمرون له شراً ويكيدون المكائد للإيقاع به ويجهّزون العدّة والعدد والمال والخطط الخبيثة من أجل مواجهته، كانَ يعرف كلّ هذا بل أكثر من هذا ايضاً لان إيمانه برسالة جدّه (ص) كان قوياً جداً، ومناصروه هم أهل بيته فقط من الرجال والنساء الذين كانوا خير أعضاد له في محنته التي أخبر بها جبرائيل الأمين محمد (ص) فقد ثبت في موقفه وَلَمْ يتزحزح قيد أنملة، والحقيقة هي ليست محنة بالمعنى الظاهري بل ملحمة كتبت بدماء طاهرة زكيّة أريقت في صحراء السوادين دون وجه حق ابداً وانتهت في العاشر من المحرّم الحرام الذي يحرم فيه حتى قتل عصفورة! شكلياً نستطيع القول إنها انتهت ولكن هل انتهت معه حكايات تدمي القلوب وتدمع العيون؟ هل انتهت معها رسالة عظيمة كانت سبباً بها؟ هل انتهت كل هذا باستشهاد الحسين مع آل بيته الطيبين الطاهرين؟، كلا لم تنتهِ الدروس والمعاني والعِبر ابداً لانَّ الحسين اصبح مخلداً مدى الدهر، وهذا ما يعرفه القاصي والداني.
كلّ تلك الأحداث المروّعة وصلت إلينا بعدة طرق، إمّا من خلال سادتنا الاكارم الذين تخرّجوا من أروقة ومقاعد وصفوف الحوزة المباركة الشريفة رعاهم الله وحفظهم من كل سوءٍ، وهم يصفون لنا تلك الواقعة بأدق تفاصيلها بلكنتهم الحنونة التي تبكي الحجر والشجر والبشر وخصوصاً خلال أيام الحزن العميق أو من خلال المؤرخين الحقيقيين الصادقين الذين بحثوا عن الحقيقة الجليَّة، ونقلوها لنا بكل أمانة وإخلاص مستندين الى وقائع تاريخية رصينة ثُبتتْ فيها الاسماء والتاريخ، أو من خلال الأدباء والشعراء الذين اخذوا على عاتقهم وصف تلك المعاناة بطريقتهم الخاصة التي غالبا ما تكون موزونة ذات قوافٍ رائعة تحمل بداخلها الأفكار التي تنقل لنا تلك المأساة التي حدثت في غفلة من الزمن وفِي غفلة من الطيبين الطاهرين، حيثُ أقامت الدنيا ولم تقعدها ولن تقعدها ابداً وستبقى مخلدةً في صفحات التاريخ دائماً ولولا جهود وتعب وكد هؤلاء لضاعت تلك الحقبة الدامية في أتون التاريخ، والحمد لله لم ولن يحدث هذا مطلقاً، شكراً لكل من نقل إلينا الحدث المؤلم وتداعياته المبكية المؤلمة منذ ١٤٠٠ سنة .
نعود الى موضوع يخصنا ويخص شعراءنا الكرام الذين جعلوا من أنفسهم وأقلامهم وافكارهم خدماً لقضية آل بيت الرسول الطيبين الطاهرين، فطوبى لهم انْ شاء الله، ويقول الإمام المعصوم جعفر الصادق عليه السلام (من كتب فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنّة).
شعراؤنا الأفاضل، نحن نعيش الآن في عصر التكنولوجيا الحديثة والمتطورة ووسائل إلكترونية تنقل كل شيء مسموع او مرئي أو مقروء بسرعة الضوء والبرق الى أجزاء واسعة من المعمورة ومحرك الغوغل السريع يلبي طلب أي شخص بكل سهولة سواءً كان صوراً أو كتابة أو فيديوهات غير معدودات تخص ذلك المطلوب، اذن أمامنا وامام الشعراء خصوصاً تحديات كبيرة جداً تتكون أساساً من دائرة لولبية تسمى المنطق، وهو تقبّل كل ماهو معقول ضمن العقل البشري المتوسط، هنا يستوجب على شعرائنا التمنطق واحتساب تلك التحديات ووضعها في حساباتهم الدقيقة جداً عند تنظيمهم قصائد تمجّد آل بيت الرسول صلوات الله عليهم وعدم إطلاق العنان لمبالغات قد تضر قضيتنا العادلة في الدفاع عنهم والسير على خطاهم السديدة وتوضيح معاناتهم بصورة سهلة وسلسة تقنع المستمع لها وتجعله يتفاعل بكل جوارحه مع قضيتهم التي تعد قضية كل مسلم يرفض الذل والهوان ويتخذ شعار (هيهات منا الذلة) وهذا ما نربو اليه
تماماً.
الشاعر الأذربيجاني الكبير (كريمي) والمختص بالكتابة عن آل بيت الرسول (ص) يقول في إحدى قصائده
( لولا تضحيات الحسين لما تحققت صحة حديث جبرائيل مع جده،
أيعقل ان يكون حديثهما سرباً من الخيال؟
انها إرادة الله وتحققت بفضل شجاعة الحسين عليه السلام)
هل يستطيع اي ناقد مهما كانت عقيدته انْ يجد اية مغالطة في هذا النص الشعري؟ لا اعتقد ذلك مطلقاً.
الشاعر التركماني الكبير المتوفي سنة ١٩٦٦، في كركوك محمد صادق يقول:
( الحسين مدرسة المظلومين المنتصرين في الدنيا والآخرة، كن مثله لتكون خالداً في ضمير الآخرين).
الامام والخطيب والشاعر الديني التركي الكبير نهاد خطيب اوغلي يقول:
( ام سَلمة كانت تنظر كل يوم الى قارورة وضعها الرسول أمانة لديها بعد ان سافر الحسين الى العراق،
وتنتظر اسوداد ما بداخلها لتعلن لأهل المدينة انَّ الحسينَ قد استشهد،
ولو تنازل الاخير لحكام تلك الفترة وعاش في مدينة والده وجده لذهب حديث الرسول ( الحسن والحسين سيدا شبابا اهل الجنة ) مع الريح وحاشا لله).
ليجتمع كل النقاد والباحثين والمؤرخين وليبحثوا عن اية مبالغة في القصائد أعلاه، هل سيجدون ذلك؟ لا طبعاً.
الشاعر الراحل رعد مطشر كتب ذات مرة (الحسين يعيش في داخلي،
وأنا أعيشُ معه،
صادق أنا مثله، مصمم على الحق مثلهِ).
كاتب المقالة كتب مرة ( لنكن مثل الحسين في نكران الذات،
الدنيا زائلة والهدف باقٍ).
إذن على شعرائنا الكرام (أقصد البعض طبعاً) الالتزام بجانب التوازن ويمكنهم استعمال الفن التكميلي والتشكيلي والتعبيري والاستعانة بالتشابيه المجازية المعقولة والبلاغة والسلخ والنسخ والصقل والتجميل والتمكين بشرط الابداع تحت سيطرة وحكم الواقعية الوسطية المفهومة والمدركة من الآخرين وخصوصاً النقاد الذين ينتمون الى مذاهب وعقائد عدة، فهم يبحثون عن خرم إبرة في قصيدة ما من أجل الوصول الى مبتغاهم.
نعم علينا وعليهم تقع مسؤولية كبيرة وهي الحفاظ على المكتسبات العظيمة التي وهبها لنا عن طيب خاطر أهل بيت الرسول بدمائهم الزكية الطاهرة.