كعادة العراقيين أن يتأثروا بكل ماهو قادم من الخارج ، غزا النقد الثقافي بصبغته الغذامية المشهد النقدي بشكل مثير وصل حد الاضطراب والمراهقة النقدية وأقول بصبغته الغذامية لأن النقد الثقافي العربي في أصله عراقي ؛ فكانت هناك ظاهرة تبجيل لعبد الله الغذامي ، وهي مثيرة للشفقة والخجل معا ، ترافقها ظاهرة استسهال لأصحاب المراهقة النقدية .
أصدر كاتب هذه السطور أربعة كتب ضمن اشتغالات النقد الثقافي وهي الناقد الديني قامعا ، والنقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق_ العراق رائدا ، والقصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث ، ثم جاء كتاب الجريمة الثقافية في العراق _ علاقة الشاعر والسلطة وانساقها المضمرة ، وهو الكتاب الذي يكشف الانساق الثقافية لحقبة القرن العشرين ، ويغوص في ظاهرها
ومضمرها.
وقد صدرت بعد ذلك كتب لاساتذة ونقاد حيث صدر للدكتورة بشرى موسى كتاب بهذا الشأن ، ومثله صدر للدكتور سمير الخليل الذي وثق في مقدمة كتابه السبق لمن أصدر كتابا يهتم بالنقد
الثقافي .
بينما بقي بعض النقاد يحاولون الاقتراب من الانساق الثقافية، من بينها مقال للناقد فاضل ثامر في كتابه ( إشكالية المثقف والسلطة) وهو مقال يعالج ظاهرة (برشلونة وريال مدريد) وكان لهذا المقال أن يحقق بصمة عظيمة في النقد الثقافي لولا تسرع الناقد فاضل ثامر، وربما خانته القدرة على التشريح الثقافي وكشف
الانساق .
لم يقتنع أهل نسق ( مغنية الحي لا تطرب) بريادة العراق وإعادة السبق لعالم الاجتماع العراقي علي الوردي ، التي اثبتها كاتب هذه السطور الا بعد أن تراجعت أغلب الدراسات العربية عن اعتماد الغذامي مصدرا ، وصار العراق هو مصدر النقد الثقافي ومهد تأسيسه ، بعد أن اعتمد كتاب ( النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق العراق رائدا) ضمن مناهج الدراسات العليا في بعض الجامعات العراقية والعربية ، لا سيما في الجزائر ،ومثله كتاب ( القصيدة الإعلامية في الشعر العراقي الحديث ) الذي أعيد طبعه في الأردن ويباع وبأربعة اضعاف ثمنه في
العراق .
الآن ، وبعد أن رسخت حقيقة العراق رائدا ؛ لفت انتباهي كتاب عنوانه ( الذات والمجتمع في شعر امل دنقل دراسة في الانساق المضمرة) تأليف : موج يوسف ، جاءت الناقدة بتمهيد عن الذات في الشعر الحديث، وعن المجتمع الحديث ، تلا ذلك ثلاثة فصول ، حيث بحث الفصل الاول المضامين الذاتية ، بينما غاص الفصل الثاني في عمق المضامين الاجتماعية بثلاثة مباحث عن المرأة وسلطة الجسد باعتبار الجسد له سلطة مسيطرة على العالم كالاقتصاد ؛ بينما تفرغ الفصل الثالث لتفحص المرجعيات الثقافية للشاعر أمل
دنقل .
ولا اريد الإفصاح اكثر عما يحتويه هذا الكتاب من قيمة ثرية ، فقد خصصت الناقدة لكل فصل ثلاثة مباحث وكان لها صوتها النقدي الواضح .
فاتني أن أقول أني رحت أبحث عن هذه الناقدة الثقافية التي تدرس شاعرا ليس عراقيا ، وقلت لا شك أنها من أحد البلدان العربية ؛ لكن المفاجأة السارة جدا هي ان موج يوسف شابة عراقية أكملت الماجستير مؤخرا وهذا الكتاب هو رسالتها للماجستير . مبارك للمشهد النقدي العراقي وللأكاديمية العراقية ولادة عقل نقدي واعٍ
وشجاع .