تجسد رواية “القلعة البيضاء” لأورهان باموق، الصادرة عن دار المدى، النقاشات العلمية والثقافية إبان عهد السلطان العثماني القاصر محمد الرابع (1642م)، التي توضح كيف أن ظهور معظم البحوث العلمية قد قوبلت انذاك بالرفض ولعديد من إتهامات بالكفر والألحاد.
تجمع الرواية صوراً لبدايات بعض هذه العلوم التي شكلت جدلاً في تركيا ومنها” الفلك، الكيمياء، علوم الأسلحة، الأحياء، علم النفس”، تسهم هذه العلوم برسم علاقة ذات طابع مخالف بين رجلين تكسوهما بعض العقائد الصوفية، بشكل يتنافر ويتجاذب بين الحب والكراهية، الخوف والتنافس.
عبر سطور الكتاب يحاول كلا من الأستاذ وعبده، فك لغز اختلافهما الكبير وتشابهما، في نفس الوقت، واكتشاف ذاك السلاح الخيالي الذي كلفا بصنعه “سلاح يجعل العالم يضيق بأعدائنا”، حيث تشتمل هذه العلاقة محاولات لاقتحام أحدهما عقل الآخر، وتعرية عوالمه وظلمات نفسه، بأسلوب الرضوخ تارة والإستمالة تارة أخرى.
وتقدم “القلعة البيضاء” انعكاسات سلسة وجذابة لذكريات العبد ومعيشته لأكثر من (25) عاماً في العبودية، إذ يطرح بين طياتها بعض المآسي التي يعيشها العبد من دون الأدلاء بها، فهي تحزنك بلا إدراك “ بدأنا بالنظام الذي اسميناه صنبورا. إذ بدا اللهب ينصب في البداية من حافة سطح على ارتفاع خمس خطوات. لابد أن الذين على الشاطئ كانوا يرون اللهب بشكل أفضل، وعندما بدأت المفرقعات تنطلق من فوهة الصنبور لابد أنهم انفعلوا بقدر ما انفعلنا نحن، ولكننا لا نريد أن يهدأ انفعالهم، لقد حركوا القوارب على سطح الخليج. في البداية انطلقت المفرقعات مشعلة القلاع والحصون والأبراج المصنوعة من الورق المقوى. وهذا المشهد يمثل الانتصارات التي تحققت في الماضي. وحين مرت السفن الأسيرة سنة وقوعي بالأسر، أمطرت السفن الأخرى شراعيتنا بالمفرقعات، وهكذا عشت مرة أخرى يوم وقوعي بالأسر. وبينما كانت السفن الكرتونية تحترق وتغرق بدأ صراخ (الله، الله) من الشاطئين. بعد ذلك مرّرنا “تنيناتنا” ببطء، وكان اللهب ينبعث من افواهها ومناخرها وآذانها. جعلناها تتعارك وكما خططنا لم تقترب من بعضها البعض، وجعلنا الجو أكثر حرارة بالمفرقعات التي أطلقناها من الساحل”.
وقد أجاد المترجم عبد القادر عبد اللي، بنقل سحر الروائي أورهان باموق، حيث قدم صياغةً متقنةً وجملاً سلسلةً ممتعةً ومشوقةً لقارئ “القلعة البيضاء”.
أخيرا يجب الإشارة إلى أن أورهان باموق من مواليد إسطنبول 1952، وهو كاتب وروائي تركي، حاصل على جائزة نوبل للأدب في العام ٢٠٠٦ ، ودرس الصحافة قبل أن يتجه إلى الأدب، كما أنه واحد من أهم الكتاب المعاصرين، ترجمت أعماله إلى (34) لغة حتى الآن، ومن أعماله “جودت بيك وأولاده، البيت الصامت، الكتاب الأسود، ثلج، اسمي احمر”، جاء الكتاب في (125) صفحة من القطع المتوسط .