ولاء المواطن

آراء 2019/10/22
...

 د. كريم شغيدل
 
بين الحراك الشعبي الذي ينبغي أن نحافظ عليه بوصفه معطىً من معطيات الديمقراطية والمسيرة الأربعينية نحو الإمام الحسين (عليه السلام) وشائج عديدة، فالحسين ثورة أزلية ضد الظلم والطغيان، والتظاهرات الشعبية بالمقابل ثورة ضد الفساد المنتج للظلم والطغيان، الفساد الذي أنتج البطالة والتفاوت الطبقي وعطَّل المشاريع الخدمية والإنمائية، والمتظاهرون هم أنفسهم المسحوقون الفقراء الذين كانوا ضحايا للإرهاب وحروب الطاغية ومقابره الجماعية، وهم من حرر أرض العراق من دنس داعش، وهم أنفسهم من يسير مشياً على الأقدام إلى واحة الإباء والتحدي في رحاب الحسين، أجدادهم وقفوا بوجه الإنكليز في ثورة العشرين، وآباؤهم وقفوا بوجه الأميركان في أم قصر، وأسلافهم من قاتلوا في فلسطين مثلما قاتلوا ببدر وأحد وحنين، ووقفوا ضد الظلم في الانتفاضة الشعبانية، هم أنفسهم عبر التاريخ، فلا تبخسوهم حقهم بالتخوين.
    ليس بين السائرين في أربعينية شهيد الحق عميل ولا مرتشٍ ولا فاسد ولا خائن، فلا حاجة للفقراء والمساكين والمعوزين لذلك، وليس لأحد أن يزايد على ولائهم للوطن أو صبرهم على المحن، والرشوة والفساد لا مجال لها بين صفوف العاطلين عن العمل، ولو كانوا كذلك لأصبحوا في بحبوحة من العيش، في ظل الولاء للأحزاب والميليشيات والتكتلات والتملق والتقرب للمتنفذين بشتى السبل، هم وطنيون بالفطرة مثلما هم مؤمنون بالحسين بالفطرة، قدرهم أنهم فقراء وضحايا لسياسات استبدادية لم توفر لهم فرص العيش الكريم، ووجدوا في فسحة الديمقراطية فرصة للتنفيس والتعبير عن حاجاتهم الإنسانية المشروعة، ألسنا دولة ديمقراطية؟
ألسنا في ظل دستور يضمن حق التعبير ويحمِّل الدولة مسؤولية حماية المواطن وتوفير فرص العيش الكريم له؟ أليست الدولة ملزمة دستورياً بتوفير خدمات التربية والتعليم والصحة والعمل 
والسكن.
    قيل إن غالبية المتظاهرين من سكان العشوائيات، ممن استشعروا الخطر الداهم بعد عمليات التجريف، نعم.. ولِمَ لا؟ فهم لم يسكنوا العشوائيات لو لم تقصر الدولة في توفير سكن لائق بمواطن له حق في ثروة بلاده، وإذا قيل إن غالبيتهم من الأميين فليس ذنبهم أن يكونوا كذلك، بل هو ذنب الدولة التي لم توفر لآبائهم ما يسد نفقات دراستهم، ثم ماذا نقول عن الخريجين وحملة الشهادات العليا؟ ولنفترض أن للمخابرات الأميركية ومن يرتبط بها يد في هذه التظاهرات، وهذا ليس مستبعداً، أيصح أن نتهم 
الجميع؟ 

 

ولنسأل أنفسنا لماذا تقوم تلك الجهات بهذا العمل؟ أليست أميركا صديقة للعراق وهي التي أسقطت النظام الصدامي وأسست لنظام ديمقراطي؟ ألسنا مرتبطين معها باتفاقية إطارية وأمنية؟ فإن كان الشارع العراقي تحركه الأيادي الخفية بهذه السهولة فاقرأ على الوطن السلام، لكن لو كان المواطن يشعر بمواطنيته حقاً ويستمتع بثمار الديمقراطية وما توفره من حقوق وما تمليه من واجبات، ويشعر بالمساواة والعدل، لما استطاعت أية قوة على تحريكه ضد وطنه، فالمواطن لا يريد أكثر من حقه المشروع ليصبح موالياً لوطنه بمثل ولائه لعقيدته.