في كل مرة ألتقيه يطالبني بنسخة من آخر كتاب صدر لي، ولأنه من المقربين الذين يزاولون القراءة المنتجة وكتابة النصوص الابداعية وله في ذلك تاريخ يمتد الى اكثر من ثلاثة عقود من الزمن، فأقع في حرج الإهداء له، متوقعاً ان يكتب شيئاً عن هديتي في قادم الايام، وتمر الاسابيع فلا اسمع جعجعة ولا أرى طحيناً، وأختلق له شتى الاعذار التي تبرر له التأخير وتبرر عدم الوفاء، وقلت مع نفسي ربما مضمون كتابي لم يحفزه على قول كلمة فيه (قد لا تعجبني!!) وربما.. وربما... وذات مساء جمعتنا مناسبة اجتماعية كان فيها قريباً من جلستي، فتجرأت بسؤاله.
ويا ليتني لم أساله – يا صاحبي لم اسمع منك رأياً بكتابي الذي ألحفت بطلبه مني، لكنه فاجأني بالقول: صدقني لم تتح الظروف فرصة بقراءة الكتاب ومازال مركوناً في احد ادراج المكتبة ينتظر الوقت المناسب (لتقليب) صفحاته، وهنا ادركت كم انا مخطئ في اهداء دم قلبي وماء عيوني لمثل صاحبي الذي لم يقرأ كتاباً صغيراً لا تزيد صفحاته عن المائة والعشرين، ولعنت في سري تلك الساعة التي ادركتني فيها حرفة الادب التي لم احصد من ثمارها غير السهر والمتاعب والمناكدات ومن ساعتها الزمت نفسي ألا اقدم كتاباً هديةً لمن يضعه ديكوراً، وتيقنت ان صاحبي وهو الذي اصدر اكثر من خمسة كتب لا يقرأ الا ما يكتبه هو.
ولذا فإن معارفه اكل عليها الدهر وشرب واعجب من امثال صاحبي هذا - وهم كثر - كيف يكتبون ويملؤون اوراق الصحف بما ينتجون، ومن اين لهم الوقت لذلك الجهد الذي يتطلب متابعة لكل ما هو جديد في الحياة الثقافية التي غمرتها سيول من الكتابات الهشة التي لا يقرأها احد وليست سوى ملء الصفحات الثقافية في صحفنا بهذا الغث من الكلام الذي لا لون ولا طعم ولا رائحة... وقد اضطر مستقبلًا الإفصاح عن امثال صاحبنا لكي لا يقع الآخرون امثالي في منزلقات إهداء الكتب لمن لا يعيرها اهتماماً سوى التباهي بها وبأصحابها بين افراد أسرته واصدقائه المقربين، ولتكن هذه الحادثة وسواها موعظة حسنة لأولي الألباب لعلهم
يفقهون.
شكراً لصاحبي الذي لا يقرأ ويكتب وينشر كثيراً، اذ لولاه ما قلت هذه السطور الموجعة، وما اطنبت في شرح الحال الذي وصل اليه المبدع العراقي الذي يعطي جل وقته لكي يديم الحياة ويجترح اساليب اشراقتها الدائمة... شكراً لمن لا يقع في مثل ما وقعت من خطأ غير مقصود في وضع كتابي بيد لا تحترم جهداً ولا تقيم وزناً - شكراً لمن يشاركني الرأي في قول كلمته في هذا الشأن لعلنا نقطع دابر من يتباهون (بشَعَر اختهم). والف شكر لمن يدلو برأيه الجريء في هذا الحدث
الملتبس.