محاولة إيقاد فانوس أبي العلاء‬

ثقافة 2019/10/26
...

عبلة جابر
 
‫لكل مجموعة عتبات، وعتبة هذه المجموعة تبدأ من العنوان « زيتٌ لفانوس أبي العلاء»‬‬‬‬
‫هكذا يريد الشاعر عادل الصويري أن يملأ فانوس أبي العلاء بزيتٍ هو تداخل تجربة بأخرى؛  لتضيء طرقاً ليس مهما أن نبصر ما فيها،  بقدر ما يهم أن نحس ونفلسف ما نظن
 أنه معنى.‬‬‬‬
‫تداخل تجربة أبي العلاء رهين المحبسين بتجربة الشاعر، وإعادة استنطاقها بقوالب حديثة، وكلمات ومصطلحات حديثة ، وتداخل الضدين الذي يظهر جليا من العتبة الثانية للمجموعة،  التي هي بيت الشعر الذي اقتبسه الشاعر من أبي العلاء‬:‬‬‬
‫»مهجتي ضدٌّ يحاربني ... أنا مني كيف أحترس»‬ ؛ ‫هنا تحديدا تتجلى ثيمة الديوان، وفلسفته الضدية، ونزعات النفس وصراعاتها.‬‬‬‬‬‬
 ضدية الذاكرة والنسيان، ضدية المنفى والوطن ، ضدية الانتماء واللا انتماء، ضدية اللقاء والفراق وغيرها
 الكثير.
‫فمثلا‬‬‬ في القصيدة الأولى « هديل الأضداد» محاكاة لفلسفة المعري في قصيدته الشهيرة «غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي ‬‬‬
نوح باكٍ ولا ترنم شادِ»‬
‫والتي يقول فيها:‬‬‬
 « أبكت تلكم الحمامة أم غنَّت على فرع غصنها المياد»‬
‫فنرى الشاعر هنا قد أحسن توظيف الحمامة والضدية معاً، في محاكاة لصراعات الانسان في القرن الحادي والعشرين، ومجاراة للمعري في ضدياته الكثيرة.‬‬‬‬
‫»طبخنا بقدر الانتظار طيوفنا‬‬‬‬
‫متى يا إله الحالمين ستنضجُ‬‬‬‬
‫نفلسف فحوى الذات ملء تناقضٍ‬‬‬‬
‫وفينا يقينٌ مربكٌ متموجُ‬‬‬‬
‫نحتج بالرب المقيم أدلةً‬‬‬‬
‫ولكن بأصنام السدى نتحججُ‪‬‬‬‬‬‬
‫»سأعتنق النجوى بفقه حمامةٍ‬‬‬‬
‫فليس سوى دينٍ غريبٍ يؤدلجُ»‬‬‬‬
‫فنرى الشاعر في النهاية يقرر اعتناق فقه الحمامة كيف لا والحمامة بشارة الخير ، وهي دليل نوحٍ في الطوفان، وهي ذاتها التي عششت في غار ثور اثناء الهجرة‬.‬‬‬
‫الحمامة ذاتها التي كتب عنها المعري في لزومياتها وعن حنفيتها وإسلامها.‬‬‬‬
‫كما يتجلى في المجموعة الشعرية انغماس الشاعر بأوجاع وطنه وقضايا الوطن فنراه يفرد قصيدة بعنوان « ما دونه الربيع المكبل»‬ ‬‬‬
‫»والغصن يُرثى على أطلال سوسنةٍ‬‬‬‬
‫من شاعرٍ بربيع الخوف منكسر»‬‬‬‬
‫الخ « ‬‬‬
ونصلب الخوف تفاحاً على الشجر» وكأننا نصلب خطيئة وجودنا الأولى هذه المرة.
يحاكي الشاعر في هذه القصيدة اوجاع الوطن من الكربلاءات، ومن مخابرات وعسكر ،وقيود ومدن منهكة
 ومنتهكة.‬
‫يزاوج لشاعر ما بين تجربته الشخصية وما بين تجربة المعري في قصائده فحيناً نجدنا أمام نص ذاتي، وحين نجدنا امام نص انغماسي يعيد قراءة المعري او يغفو على
 فضته.‬‬‬‬
‫حضور اللون الفضي طاغٍ على الديوان واظن أنه له بعد نفسي، حاولت ان أفلسفه او اقترب من لمعانه وبريقه وربما رماديته.‬‬‬‬
‫تحضر الكتابة ومكابداتها في نصوص اخرى منها «ذاكرة محذوفة بالتذكر» حيث تتجلى هموم الشاعر الذاتية من منفى وغربة وبحث عن معنى وربما معرفةٍ ما.‬‬‬‬
‫وتتجلى فيها فلسفة التخلي وربما الخذلان من الآخر‬ :‬‬‬
‫» أن أمسح الأصحاب من ورق الرهان‬‬‬‬
‫فهم صدى‬‬‬‬
‫للسالفِ المتحجر‬ِ‬‬‬
‫ولطالما أسرفت في ترميمهم‬‬‬‬
‫قاموا وما التفتوا لصوت
 تكسري»‬‬‬‬
‫هذه الفلسفة الصورية الاعجازية الضدية، فنرى المسح والصدى والترميم والتكسر والحركية في القيام‬، ‫عدا عن المعنى العميق الذي يصور حالة الخذلان،  حين قام بمسح من قام بترميمهم سابقاً.‬‬‬‬‬‬‬
‫كما نجدنا أمام حشد تناص ديني يتجلى في قصيدة «عزفٌ لأصابع الريح» التي يعيد روي مآسي العراق .‬‬‬‬
‫ثم نجدنا أمام القليل من نصوص التفعيلة مثل « هروب أبيض « و « أرجوحة الهوامش» و «ساحل لالتماع النرجس» ، فنجدنا أمام انصهار تجربتين في تجربةٍ واحدة‬؛ ‫ليلخصها الشاعر بقوله : ‬‬‬‬‬‬
« هكذا أنت عزلةٌ من ضجيج‬
‫إن للصمت فيك حقاً رنينا»‬‬‬
ثم نجد الشاعر في احدى قصائده التي تحمل عنواناً مبتكراً وحداثياً مشغولاً عليه وهو  «قلبٌ تمرأى سوسن الكلمات»
يقول :
« وأنتِ هناك 
تفلسفُ كأسُكِ معنى الهدوءَ ،
وينطفئ الوقتُ 
حين يعود السؤال:
لماذا تسوسنت الكلمات ؟
تمرأت قلوب الغياب عليها 
مثلمةً 
قتقولين : 
إنَّ النصوص زجاج القلوب»
هكذا يشف النص عن قلب الشاعر وفلسفته.
هكذا يضيء الفانوس لنرى الفكرة والمعنى. 
ومن الملاحظ اشتغال الشاعر على الكلمات، فها هو يبتدع الفعل تسوسن من السوسنة والأمثلة على
 ذلك كثيرة .