الشبابيك تستدرج المطر

ثقافة 2019/10/28
...

 مهدي القريشي 
 كُلُّ مكانٍ لا يُؤنث ، لا يُعَوّلُ عليه ( ابن عربي)
 دائماً ما تكرر أمي مقولتها الأثيرة ( رحت لبيت الله ومثل بيتي ما لگيت ) ، ما الذي يجعل إمتلاك الانسان لبيت حلماًيتموسق مع حلم الحياة الوردية السعيدة ، لا احد يستطيع ان يتحسس هذه المتعة ( امتلاك بيت ) الا من داست أقدام السنين هيبته وتعثر بأكثر من سؤال وطأطأ الرأس انهزاماً من المجهول وله 1/4دست من الأطفال يدخلون أبواباً هي غير أبوابهم . 
أنا مع رأي فيلسوف جماليات المكان (باشلار) حين قال ( علينا ان نطيع القوانين البسيطة للرؤية وأن نكون موضوعيين ونتوقف عن التخيل ) تكرار التخيل يقضي على إيقاع الحياة ويساهم في نمو أسئلة غير مشاكسة تعيق التحرك الى الامام . 
هذا فخ زُين بجماليات قوس قزح ليجعلوا ذاكرتنا تطفو على سرير التغرب . البيت ليس اجرا مصفوفاًفوق بعضه ، تصالبه وتقوي اواصر علاقته ، الأسمنت القاسي الأخلاق ، فاقد الحيوية ليكون سداً مانعاًللغرباء، تتخلله شبابيك محروسة بسياج حديقة . الشبابيك تتحدث وتطلق النكات والتحايا والصراخ والقُبل المؤمنة منها والماجنة ، فهي مَحج الضوء والهواء ، من خلالها تتسلل أصوات تنبؤك بأنك ليس الوحيد في هذا العالم وإن الاخر سوف لا يتركك وحيداً هنا أيضاً . 
كما يتسلل الهواء والضوء من الشبابيك فأن همسات العشاق وتهويماتهم وحركة الاكف بالتحية السرية للمحب تتسلل مع أحلام ممزوجة بالقُبل
 الوهمية. 
يزعل الشباك وينكفيء فيما لو أُسدلت ستائره فتحجبه عن العالم ، حينها يغمض عينيه وتهدأ انفاسه ويلوذ بالصمت ، الشبابيك تستدرج الطيور والعصافير وأغصان اللبلاب ، وعلى ظهر زجاجه تستريح قطرات المطر وحبات البرد وقُبل العشاق . اما الأبواب فهي لسان البيت تؤرخ لكل شخص دخل من خلالها او خرج ، ولكل الأشياء التي تحمل في مضمونها فايروسات السعادة او بذور الخراب . 
كل وجه من وجوه الباب يقول أنا الاول يوثق دقائق اليوم ، او يحرث في حقول الفصول ومنها يتداخل الليل بالنهار ، الضوء بالظلمة ، الضحكة باصوات العزاء ، الفرحة بالحزن . 
البيت وعاء لاحتواء الأحداث والشخصيات بمعنى اخر هو قارب يعمل على اليابسة لينجينا من غريق محتمل . البيت هوية تميزت  عن الاخر منها ومنها يكتنز ثقافة تفرده اجتماعياًفصاحب البيت يتماهى مع محتوياته ويتجانس  معها وتصبح هي الاخرى جزءاً من كينونته . 
الباب سرد ... 
الشباك ثيمة ... 
السقف خازن الأسرار ... 
الحديقة تحتسي فنجان قهوتها ولا تتجاهل نداء زهورها ...
اما السياج فهو غيمة مسالمة نزلت لتلعب مع القطط ...
اذا الباب دكتاتور ، والشباك حرية ، والسياج هراوة . 
في كل  الحروب الشبابيك هي التي تقاتل ، منظروا  الحروب في جزئهم (الإنساني )من شدة ( خوفهم على شعوبهم ) ! يقتلعون  الشبابيك من جذورها ويرمونها مع سكراب الحروب وخردته ، تُغلق النوافذ بالطابوق القاسي خوف الشظايا الشيطانية وثقل بأساطيل الاخر  واصوات بوق النحاس
 الماجن . 
الأبواب تبقى تمارس وظيفة  روتينية في استقبال وتوديع الكائنات ومنها الانسان تحتفظ بسحناتهم وأشكالهم تدخرهما ليومٍ يأتيها  الخراب فتلوذ  بأحدهم. 
تبقى السقوف مجرد سماء كثيفة مرفوعة بعمد نلونها حيث نكون عراة او نتركها عارية يوم نتدثر  بالحب ، تحمينا من المطر والرصاص وتلصص بنات نعش ودرب التبانة . 
الاسيجةتحمل وجه داخلي يمثل مرآة العائلة ووجهها المطل على الحديقة والبيت ، محتفظاً بالأسرار والخرائط والخزائن والمشاكسات وصراخ الزوجين مانحاً حرية التنقل والنوم الهانيء والجماع الأنسي ، اما الوجه المطل على الفضاء الخارجي ،  يشكو  من اثقال التلوثات وازدهاراتها كالكتابات الماجنة وآثار النجاسة وبصمات الشحاذين ، والريح  الخبيثة واستمناءات  المهووسين. 
رغم المساحات الشاسعة امام السياج الا انه معوقاً وكابتا  للحريات  المشروطة وغير المشروطة في مواجهة العالم رغم التناقض بين وجهي الجدار الا  ان بول ايلوار يقول ( بين المدينة والإنسان لم يكن يوجد سمك جدار ) فبقدر ما بين بيوت المدينة من جدران الا ان العلاقة مع الانسان تغدو نظاماً هلامياً متوحداً بين المدينة والإنسان . 
نعود الى قول والدتي فيجيبها أنطوان سانت اكزوبري هامسا لها ( اعجب ما في منزل في ان يؤويك ، او في أنك  تمتلك منه الجدران . ولكن في هذا الذي يضعه فينا ، هونا ما ، من مؤن العذوبة).