موج يوسف
الهويةُ نابعةٌ من اللغةِ وهي كيان يتشكل في مجرى الافكار التي تتأثر بالأحداث الاجتماعية المتغيرة والمتقلبة وبهذا المعنى تأخذ الهوية على أنها كيان معطى وجوهري .
وحين يشتد التوتر على الحياة الاجتماعية ينتج عنه صراع فكري ويزعم الكلّ أن هويتهم أصلية ومنسجمة ومتماسكة ، أما باقي الهويات فهي منفية ومشتتة واذا نظرنا الى العراق وفق رؤية سياسية واجتماعية نجد أغلب أفراده يزعمون امتلاكهم لهوية مركزية بالرغم من تمزقها لكنّ في مثل هذا المناخ العام كما يرى أدونيس أنَّ الشعر أعظم ما يفصح عن الهوية العربية وعلى رموزها ، تغيب اللغة ويحضر الشعر. يغيب الصانع ويحضر
المصنوع .
وفي مجموعة (ولهٌ لها ) نلحظ أن عمر السراي استعمل لغة اجتماعية من صميم الحياة اليومية العراقية لكنه وظفها بتعبير مجازي عن العواطف والشجون العذابات الذاتية ، وكأنه عمل على تجميل تلك اللغة وصياغتها في قالب جمالي ؛ لتكون مستساغة مع الواقع المؤلم ، فظاهر النص مشحون بعواطف ذاتية ومضمره يعبر عن الهموم المحلية فيقول في قصيدة
( مشاهد حرة ) :
وأحبُّ ( تشارلس ثيرون )
واحبُّ كثيراً ..
ولأنّ الوطن لا يستوعب أن يحقق لي كلَّ ذلك
سأفتح قلب فيلم هوليودي
وأعيش في احشائه النابضة
الشاعر في هذا النص يبحث عن جوهر الهوية الضائعة عن طريق استعمال اللغة اليومية التي تعبر عن حياة المواطن الذي اختار الهروب من الواقع واللجوء الى عوالم اخرى ومنها التكنولوجيا الافتراضية التي رصدها في ( هوليوود) لكن الشاعر اخفى نسقه في فيلم هوليوودي الذي يرى أن هذا المسرح العالمي هو المسؤول عن ضياع الشعوب وفوضى الحروب العربية ، فهوليوود محط انظار الكلّ فقرر الشاعر أن يواجه هذه السياسة العالمية بل والدخول في احشائها وهذا نابع من الفلسفة الوجودية التي تواجه العنف على عكس باقي الفلسفات التي ترى الابتعاد عنه ، فهوليوود محط للعنف السياسي الذي سيطر على
العالم.
وأما استعماله لـ (تشارلس ثيرون) الممثلة الاميركية فكانت بمثابة معادل موضوعي لإثبات أن العالم يسيطر عليه الاقتصاد
والجنس.
فهذه اللغة اليومية كانت جوهر
هوية الشاعر .
وفي قصيدة ( قصائد مالية) يقول:
تعالي لنكتب موازنة هذه السنة..
أربعة قمصان مكوية لي منكِ
وخلخالٌ يطرق خدي حين أقبّل قدميكِ
لا عجز سيداهمنا رغم هبوط أسعار النفط
فتكاملنا الاقتصادي يبدأ من تبادل الاحضان الساخنة
الشاعر عمل مزاوجة لغوية بين العاطفة والمناخ العام وما يعانيه الأفراد من انتظار اقرار الموازنة ، فهنا تظهر وظيفة الشاعر الاجتماعية لكنّ الملفت للنظر أنه اظهر بلغته أنه يكتب من أجل المرأة والحبّ واغفل الوظيفة الاصلية بنسقها ليعطي عطراً للشعر بدلاً عن التربية والمحيط . الشاعر عمر السراي في مجموعته لم يهرب من الواقع كما يفعل الشعراء الرومانسيون حين يجنحون الى الخيال ، بل هو واجه الواقع كما فعل شعراء الستينيات في ظل النكبات العربية فهو واصل هذا الطريق لكن ابتعد عن شعاراتهم ومباشرة القصيدة فأظهر المرأة عنواناً لقصائده حين اتخذها محوراً اساسياً واخفى السياسة لأنها لا تستحق أن تكون بيتاً
في شعره .