ياسين طه حافظ
أحداث العراق السياسية، وتوالي انماط الحكم وتوالي انصار الحاكين، جعل الناس فقراءهم ومتوسطي الدخل منهم، في حالين أو ثلاثة احوال. فهم ليعيشوا أو ليسلموا أو ليرتقوا ويكسبوا عيشا أفضل، يوالون هذا فإذا انزاح والوا ذاك..هم ليسوا ناس سياسة وهم ليسوا دعاة نظريات وفلسفات، هم ناس يريدون عيشاً وسلامة ولا إثم إذ أرادوا ان يرتقوا فلا يمضون وراء الباطل والسيء انما يؤدون اعمالهم بأمانة وينأون عن الشر فلا يسفكون دماً.
في الاوساط الثقافية حصل مثل هذا فمنهم من أراد يسلم ومنهم من خشي ان يُدان بماضيه ومنهم من لم يجد في الجديد وشعاراته ما يحتم عليه ان يكون عدواً فيخسر سلامه وسبيل عيشه. حتى ان بعض الاحزاب وجدت مسوّغاً وطنياً لتلتقي بخصومها لعل خيراً يأتي ..
نتيجة ذلك، أو حصيلته ان صار هذا ينعت ذاك بما كان وكأن لا فضل ولا مأخذ يفرّج فيه عن غضبه أو ثأره أو تألّمهِ إلا بما اعتقد فيه خصمه يوماً أو ظنه صواباً أو يرى انه خطأ وارتضى به ووقف الى جانبه.
نعم، حق ان تلوم من والى الجريمة أو اسهم فيها. لكن ليس حقاً ان تلوم أحداً على قناعة هيأتها له ثقافته أو سلامته او حياديته، مادام يريد خيراً فليأتِ بالخير من يَعِدُ به. اما ان تخذله الشعارات وتتكشف المضمرات عن غير ما أمل به وارتجى فالافراد غير النظريين وغير العقديين لا وزر عليهم ويكفيهم الاسف او الندم.
أدى ذلك لأن نكون في حالين، الأولى ان توسم أعداد من الشعب باللعنة من الخصوم المنتصرين. ومن يأتون من بعد يسِمون أولاء بلعنتهم. وهكذا نظل ندور في الدائرة السوداء. معروف أننا في بضعة عقود شهدنا ثلاثة أنواع من التسلطات وما كانت واحدة فنكره أو نرضى. وشرط ان تعيش وتأمن هو الا تكون ضداً أو
عدواً ..
ولكي لا نكون مثاليين، علينا الاقرار بحقيقة ان ليس كل الناس زهاداً أو دراويش. الانسان يريد ان يكون له حضور، ان يتقدم، ان يأمن، ان يحظى برزق أوفر وأن يرى نفسه محترماً مهاباً لا خائفاً معوزاً ومهدداً كل حين. وكان هذا واضحاً في سلوك العديد من منتسبي الاحزاب وغيرهم في مراحل الهيمنات كلها، بل حتى عند حلول مسؤول محل
آخر..
فإذا تفهمنا هذه الظروف أو المحن أو الممرات الصعبة، يصبح مملاً لوم بعضنا بعضاً وإدانته أو الاشارة الى ما كان. وسواءٌ كان ذلك الملوم مقتنعاً عقدياً أو كان طالب عيش وسلامة، الامور تنتهي بانتهائها مادام لا جريمة ولا انتهاك ولا تجاوز على أحد ولا إيذاء . ما تبقى كلٌّ له خلق يفخر بصوابه أو يخجل منه. في بلد متخلف بائس مثل بلدنا، يأمل بأن يتقم، بلد تتحكم فيه قوى من الخارج والناس جهلاً تتقاتل سياسيا في الداخل، يبدو ان اغلب الموت كان مجانياً، أغلبه كانت وراءه الرغبة العارمة في اكتمال التحرر الذي ما عاد ممكناً يكتمل! فلنبق مع حماساتنا الوطنية وحرص الناس على اهداف يأملون بتحقيقها مؤمنين بانها ستغير احوالهم .. هذه كانت وراء الاشتباكات والانتقامات الدموية البشعة واللاانسانية، وبسببها ما نتبادله اليوم من ادانات و معرّات.
لسنا الوحيدين في هذا، اقطار في افريقيا تعرف هذه ومرت بها. وفي آسيا يعرفونها وحتى اليوم في امريكا اللاتينية، الصدامات وإن لم تتفجر، لكن الكراهات والرغبة في الانتقام والمحق متأججة و سيرون، كما رأينا النتائج صفراً!
ما اردت قوله أو انتهي إليه، هو: “كفى! ندين هذا وندين ذاك، فكل كان له إيمانه أو حاجته أو ضعفه. وكل ايضاً له اخطاؤه الخفية أو عيبه المستتر وهو في اية لحظة قد يسترضي حاكما أو مسؤولاً ويساوم وإن بكبرياء ...
أسوأ من هذه الاحوال، أولئك الذين يدينون احزاباً اغتنوا منها وارتقوا من خلالها، يذكرونها اليوم بأسوأ الصفات بعدما كانوا مجنونين حماسة لها ولا فتالت ...
هو وقت للكف عن هذه الادانات والاثارات بعد ان مضى زمان على ما كان ولنعش معاً مواطنين متحضرين وقد ادركنا كيف تُساسُ الامور ويُرْسَم مستقبل
البلدان..