أ.د. باسم الاعسم
لم يعثر الشاعر كفاح عبد الحمزة القادم من عمق فضاءات بساتين الدغارة على معادل موضوعي، لما يعتمل بداخله من هواجس قلقه، سوى الشعر بنوعيه (الشعبي والحر)، كيَّما يعلن للآخرين بوحه الآسر، عبر نصوص عامرة بالأسى واللوعة، والعتمة الحالكة، وهو يتلمس خطاه المرتبكة، بحثاً عن ضوء الفجر، في الزمن الضائع، زمن الخسارات والفواجع القاسيات..
ألعب في الوقت الضائع
أجتاز سنيني الخمسين
قلبي مهر سباق رائع
يصهل للآتين
أتلمس دربي في العتمة
قد أكبر وسط الظلمة
قد المس خط الفجر
قد أسمع صوت البط البري
إن الشاعر كفاح عبد الحمزة يبدع في تجسيم الصور الشعرية التي يستعيرها من فضاءات بيئته الريفية المحتشدة بالطير والشجر، والماء والثمر، فتأتي قصائده كعثوق التمر المكتوم، تسر عين الناظر، وتشد أخيلة الشاعر إلى بئره الأولى، حيث يأتلق المكان (الدغارة) بعوالمه السحرية والساحرة، وأمكنته المثيرة للانتباه (بستان العجمي، مقهى عراك، الجسر الملهم للشعراء)، تلك الأمكنة التي طالما ألهمت الشاعر فصاغها شعراً رائقاً محلقاً في سموات الروح ومدينة كحمام زاجل، تشده إليها بواعث الحب والحنين إذ نقرأ:
مشدود بنياط قلوب الأهل
قلبي طير حمام
يتلوى فوق بساتين النخل
ويقول: سلام
علبة كبريت هذه الدغارة
أعطاني الرب
خذني بالله عليك زيارة
حتى لو مشياً فوق الأشواك
أشرب شاياً أسود في ( مقهى عراك)
أكل تمراً من ( بستان العجمي)
مشتاق حد العظم
ومن ذروة الهيام الحميمي بالأمكنة الماثلة في ذاكرة الشاعر، تتسامى صور الحب في شظايا روح الشاعر الهائمة والعالقة بذيل عباءة المرأة العاشقة..
مرت يسبقها عطر الآس
فشاب القلب الذاهل قبل الراس
وبذيل عباءتها علقت روحي
مرت كفراشة نحل
غلت من كل زهور السهل
وما حطت إلا فوق جروحي
ودعت كل العشاق
إلى حفل فراق
انفرط الشمل
فمن سيلم شظايا روحي؟!
وهكذا يتفنن الشاعر كفاح في تصوير لواعج القلب المكسور وعذابات الروح في نصه الموسوم (بوصلة الروح)، روح الشاعر الهائمة والحالمة في لقاء سيدة الليلك والجوري والعطر.
والجميل في قصائد الشاعر كفاح عبد الحمزة، انها طافحة بسجايا الشاعر، وعطر الأمكنة، ورطوبة البساتين،
وطيبة القرويين الحالمين بالحرية والحب والجمال.
آه يا سيدة الليلك والجوري والعطر المداري
إن أيامي بلا عينيك أحلام
سكارى