حميد المختار
ربما العزلة هي الشيء الوحيد الذي يقودنا من افكارنا الى وحدة قاسية ، ورغم هذه القساوة لكن هناك ثماراً يمكنها ان تمنحنا بعض الهدوء والسكينة فضلاً عن كل هذا هناك الانجاز المنتظر الذي كثيراً ما كنت ابحث عنه في مشاوير الحياة والمشاغل ، ولم اره الا حين اختلي بنفسي
قليلاً.
لذلك كثيرا ما اتذكر سنوات السجن ولياليه الموحشة، لكنها ليالي منتجة ممتلئة بالكلمة الحرة والسرد الكبير وطبعاً لا تخلو من الشعر الغاضب الذي يعبر عن وحدته وسخطه وتمرده، هكذا تعرفت على الوحدة والعزلة وانا في كامل قواي السردية والشعرية أدّون ما اراه فاضحاً لعري السلطة ومعبراً عن وهج النفس الأمارة بالشعر والثورة والغضب العظيم ، الان وقد انتهى كل ذلك ما الذي علّي ان افعله وهل ابحث عن سجن آخر اكمل فيه مشاريعي
المؤجلة ~؟
طبعاً هذا مستحيل ، لكن يمكنني ان اجعل من غرفة المكتبة سجناً ابيض ان جاز التعبير بلا سواد في كل شيء ينبغي الاحتفاء بالذات المنتجة وهي ترجو ان تعيد ذاتها ثانية بعد طول غياب، قال احدهم: {لم ار أسلم من وحدة ولا اوعظ من قبر ولا جليساً أمتع من دفتر } ، وآخر يقول عش وصاحبك الظل، وانا طبعاً قد استفيد من كل ذلك ولكن بحدود معقولة فالجمال مازال مشعاً في الطبيعة والصحبة الطيبة كثيراً ما تحتضنك وانت في اتعس حالاتك ، لهذا كله لا ينبغي ترك ماتراه عينك جميلاً بل وتمتع بكل دقائق الحياة لانها ان مضت فلن تعود ثانية لاننا نسبح في نهر جارِ يمضي الى
الابد.
ودائما ثمة جديد سواء في جريان النهر ام في سيرورة الحياة بل وحتى في العزلة ، وانا ارى ان العزلة هذه الايام مطلوبة من لدنا نحن الذين نطلب الوقت ونعمل به ملتزمين بما قالته العرب منذ زمن بعيد ،{ الزمن يعمل بك فاعمل به}، كل سنة تمر تاخذ منا شيئاً ولا تعيده ثانية ولم يبق لنا الا ما نكتب ما نعمل من فعل انساني خيرّ يخدم البلد والآخر ويرفد النفس بسعادة
لاتزول .
من هنا صرت اطلب العزلة مع احتفاظي بوجود الاصدقاء المنتجين لوهج الصداقة المراعين لقواعدها المحافظين لخصوصياتها وهم سيفرحون كثيراً لو علموا ان عزلتك هذه ستقدم لهم نصاً لذيذاً وممتلئاً نص يستحق معه ان تبعد نفسك قليلاً عن بعض الملذات الزائلة .
عليك ان تتوخى الحذر الان واقترب من ذاتك لتبدأ بكتابة ما كان ينتظرك طويلاً سأكتب رواية جديدة وهذه المرة ستكون رواية عن صراخ الناس وهم يجازفون بحياتهم من اجل استعادة هوية الذات والارض
والوطن.