د. حسين القاصد
التحفيز على الإبداع في شتى مجالات الحياة مطلوب وضروري جداً والتشجيع عليه ودعمه وتوفير الأجواء والمناخات المناسبة له ضروري جداً ايضا لكي يشعر من يبذل جهودا في مجال عمله بأن ما قدمه محط اهتمام واشادة، فالطالب له ان يجتهد وينجح، لكن حين ينجح بتفوق يستحق رعاية ما تحفّزه وتشعره بتفوقه محل اهتمام وتثمين المعنيين، ومثله يكون الموظف ان يبدع في عمله او يخلص ويصدق في اداء الواجب، فأما الابداع فيشكر عليه بالثناء و التقدير، وكتب الشكر التي تحفزه على ذلك، اما الاخلاص في اداء الواجب فذلك ما يتقاضى عليه راتب واستحقاق الراتب الشهري من دون ضرر، لكن بعض المسؤولين لا يتذكرون الموظف الا بالمنغصات التي تعكّر نفسيته وتكتفه وتزرع اليأس في وجدانه فينكفئ ليقضي شهره لاغراض الراتب وتسجيل بصمة بداية ونهاية الدوام، وهو مايحدث في اغلب مفاصل وزارات الدولة.
في مجالات الطب والهندسة والعلوم وفي مفاصل العمل التربوي والجامعي، يحتاج الموظف الى تثمين جهوده الابداعية لاسيما الميدانية منها، والا فما نفع علم لايخدم المجتمع؟ لكن الموظف قد يحظى بتثمين جهده العلمي والعملي من وزارة غير وزارته فيصدم ان دائرته لا تعترف به حتى وان كان بتوقيع وزير !.
التشجيع المعنوي وليس المادي مطلوب جدا كي يشعر الموظف بقيمة ابداعه ومكانته بين زملائه، فالتميّز من أهم دوافع التحفيز على الابداع.
وهنا لا بدَّ من سرد ما ذكره الجاحظ في كتابه (البخلاء): ان شاعرا امتدح والي خراسان بقصيدة عصماء، فلما فرغ منها قال: قد احسنت ثم أقبل على كاتبه فقال: أعطهِ عشرة آلاف درهم، ففرح الشاعر فرحا قد يستطار له فلما رأى حاله قال: وإنّي لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الوقع، اجعلها عشرين الف درهم، فكاد الشاعر ان يخرج من جلده فلما رأى فرحه تضاعف قال: وان فرحك ليتضاعف على قدر تضاعف القول، أعطهِ يا فلان اربعين ألفاً، فكاد الفرح يقتله. ثمّ أنّ كاتب الوالي أقبل عليه فقال: سبحان الله، هذا يرضى -اي الشاعر- كان يرضى باربعين درهما تأمر له بأربعين الف درهم!، قال ويلك وتريد تعطيه شيئا؟، قال هل من انفاد أمرك بدٌّ؟، قال الوالي: يا أحمق هذا الرجل سرنا بكلام فسررناه بكلام، وهو حين زعم اني احسن من القمر واشد من السيف وان امري انفذ من السنان، هل جعل في يدي من هذا شيئا ارجع به الى بيتي؟
ألسنا نعلم انه قد كذب؟
ولقد سرنا حين كذب لنا، فنحن ايضا نسرّه بالقول ونأمر له بالجوائز وان كان كذبا، فيكون كذبا في كذب، وقولا بقول، فأما ان يكون كذباً بصدقٍ وقولاً بفعلٍ فهذا هو الخسران المبين.
الموظف الذي يسرّ وزارته او دائرته بفعل ليس بقول كذب، يريد قولا مكافأة على فعل، واضعف القول هو تثمين الجهود بكتاب شكر وتقدير وتشجيع او اعتراف الوزير الفلاني بتثمين جهود موظف وزارته من وزير لوزارة أخرى.