الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينسى، على ما يبدو أحياناً، بأنّه رئيس أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، فيتصرّف وكأنّه صاحب شركة استثمارات أمنية ونفطية وتجارية، ولا يتحفظ على شيء من باب الدبلوماسيّة، فما لا يقوله في خطاباته يغرّد به في تويتر، وهو يتعامل مع الدول الأخرى بوصفها شركات صغيرة، تريد حماية بلدك ادفع، تريد البقاء في السلطة ادفع، تريد زيارة الولايات المتحدة جهّز صفقة، تريد مني زيارة لبلدك جهّز عقودك وصفقاتك وهداياك، وهذه هي السياسة الأميركية في حقيقتها، لكنّها كانت مغلّفة بسليفان الدبلوماسية وأدبيات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك.
أثناء مناظراته في السباق الانتخابي انتقد سلفه أوباما بلغة لاذعة واصفاً إيّاه بالغبي لأنّه سحب القوات الأميركية من العراق من دون أن يسيطر على حقول النفط، واليوم وبصورة صريحة ومباشرة يبقي قوة عسكرية لحماية آبار النفط في سورية بعد أن قرر الانسحاب، خلافاً لكل الأعراف والمواثيق الدولية، بل إنّه قرر تصدير بعض النفط لمساعدة اللاجئين السوريين، وبعض جماعات المعارضة، وربما بقايا داعش ومختلف العصابات على شاكلتها، فأميركا في زمن ترامب لم تعد داعمة لبعض الدول أو الحركات المعارضة، بل أصبحت قابضة، وسيقوم (روبن هود) بدور المهرّب لمساعدة فقراء سورية، أو ربما ليهيئ تلك الآبار إذا ما فكّر بالانسحاب منها لداعش جديدة تمول بها إرهابها، وهو بهذا يمارس نوعاً جديداً من القرصنة على ثروات البلدان، فالقرصنة الأميركية موجودة أصلاً لكن بأساليب مقبولة ومبررة دبلوماسياً من خلال العقود والاتفاقيات والصفقات إلى حد خلق أعداء وهميين ومن ثم ابتزاز الدول الضعيفة، سواء بتواجد قواتها أو تأسيس القواعد العسكرية أم بصفقات التسليح.
لقد تحول راعي البقر الأميركي إلى راعٍ للحرية والديمقراطية الليبرالية في العالم، وفي الواقع ما يزال يتعامل مع العالم بوصفه قطعاناً من البقر ينبغي السيطرة عليها وذبحها متى يشاء، بل أصبح راعياً لأنظمة الاستبداد الداعمة للإرهاب العالمي خطاباً وثقافة وفعلاً، ابتداءً من تحديه للمجتمع الدولي باتخاذ القدس عاصمة لإسرائيل وليس انتهاء بتوفير غطاء لهروب جماعات داعشيّة ومن ثمّ تجميعها في مناطق أخرى بحسب ما تقتضيه الحال.
قرار ترامب ببقاء قوات عسكرية لحماية آبار النفط لاقى ردود أفعال حادة، سواء من الحكومة السورية أم حكومات دول أخرى، فالرئيس السوري اعترف بأن أميركا قوة عظمى لا يمكن مواجهتها مباشرة، لكنه توعدها بحرب عصابات ومقاومة شعبية تكبدها خسائر بشرية تحرجها وتضطرها للانسحاب مثلما حدث في العراق، وطبعاً هذا سيكلف المنطقة قلقاً وتدهوراً أمنياً جديداً وأشواطاً إضافية للعنف، تركيا استنكرت الأمر ووضعت شرط انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية مقابل انسحابها، ولم يستطع الدب الروسي إخافة راعي البقر وهو يدشن عملية قرصنة غير مسبوقة في التاريخ الحديث، بينما تقف الأمم المتحدة مكتوفة الأيدي لتبرهن بما لا يقبل الشك بأن إرادتها مرهونة بإرادة القوى
العظمى