أين الشاعر العراقي؟

ثقافة 2019/11/15
...

د. حسين القاصد  
 
حمل التراث العربي ، من بين ماحمله من السرديات والمرويات وما هو موثق ومكتوب، ما يجعل الشاعر وقتذاك يحتل مكانة من الرفعة والسمو يحسده عليها عامة الناس، لذلك كانت القبيلة تحتفل بولادة الشاعر وتقيم المآدب والاحتفالات  وقد  ( كانت إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعن في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان لأنه حماية لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، او شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج ) ، وهو طقس للإخصاب والحياة والاحتفال بها كان سببه ولادة شاعر في القبيلة، لذا نرى  الشاعر يقول “ ليت شعري “ أي ليتني اعلم، ولقد (سموا الشاعر شاعراً لأنه كان يفطن لما لا يفطن له غيره من معاني الكلام (كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية ) ، ويعزو جابر عصفور هذا الاحتفال إلى البعد الجنسي بقوله: ( وأحسب أن البعد الجنسي الذي انطوت عليه الرمزية الأسطورية للولادة الجديدة. في هذا السياق، هو الذي وصل بين “ فحولة “ الشاعر و” فحولة “ الحيوان وأنزل الشاعر المبرز بين من هم أدنى منه شعرياً منزلة “ الفحل “ بين “ الحقاق” ــ الإبل الصغيرة ــ وهو نفسه الذي وصل بين القصيدة والمرأة في رمزية  “ المفترع “ للجدة  و “ البكارة “ ) ومن هنا نجد القبائل تتفاخر بعضها على البعض ويبلغ ذلك حد الحسد من مثل قول احد شعراء بكر بن وائل:   
 
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة           قصيدة قالها عمرو بن كلثوم 
 
  ومن هنا، كان للشعراء في الجزيرة العربية أيام الجاهلية سلطان يفوق سلطان الصحافة في الأزمنة الحديثة، إذ كان العرب يحسون أن فيهم شيئاً خارقاً أو سحرياً ، وان لهم قدرة على التأثير لاينافسهم عليها سائر الناس ، حيث يرى جابر عصفور ان ما دفع لغوياً مثل أبي عمرو بن علاء للقول: “كانت الشعراء عند العرب، في الجاهلية، بمنزلة الأنبياء من الأمم  هو الدلالة الأقدم حيث الحضارة الرومانية القديمة التي نظرت إلى الشاعر بوصفه كاهناً يعلم الغيب (vates) وينطقه بواسطة وحي إلهي. 
  ولما كان للشاعر كل هذه الرفعة والمنزلة العالية، كانت الأغراض الشعرية تتوافق مع هذه الرفعة، وكان أهمها: الفخر والهجاء، فهو بين مفاخر بنفسه وبين مفضل قومه على الآخرين، ولعل الركض خلف التاريخ ورواياته يظهر لنا العديد من المعارك الشعرية بين قبيلة وأخرى كان أبطالها وفرسانها ورجال الحسم فيها
 هم الشعراء . 
 السؤال الآن هو : أين هؤلاء الذين رفعهم العرب الى منزلة الأنبياء ؟ هل اكتفوا بدور الظل  او الحاشية في قصور السلطات على مر التاريخ ؟ لقد غادروا رتبة النبوة فغادرتهم مكانتهم عند الناس . 
أين هم مما تمر به البلاد من أزمة كبرى ، اين الشاعر العراقي من مطالب الجماهير ، ولماذا اكتفى بالظل ، أين هو من قضايا بلده المصيرية ؟ وأين دوره وحكمته في إنقاذ البلاد ؟ قد يقال انهم يكتبون في صفحاتهم في الفيسبوك ولم يتقاعسوا! لكن هذا لايكفي لمن يراد منه دور فاعل في حلحلة الأزمة واقتراح الحلول التي تنقذ
البلاد والعباد .