عوالم بديلة

ثقافة 2019/11/16
...

  حميد المختار 
 
يقول الكاتب التشيلي (لويس سبولفيدا) : { لم اتوقف عن الكتابة وانا في المنفى لان الكتابة هي وطني الوحيد } وهذا قمة الوعي في الوصول الى ماهية الكتابة في ازمنة السوء وازمنة الغربة والخوف والموت ، وهي ازمنة عشناها وسنظل نعيشها في كل العهود الدكتاتورية والديمقراطية ، ثم يعود الى الذاكرة وخطورتها البالغة حين يحدد البلدان التي مرت بعهود الدكتاتورية فيقول { كل البلدان التي عرفت حكماً دكتاتورياً ، فرض عليها النسيان وباعتباره مصلحة عليا ، لان تجاهل التاريخ يدفع الناس الى العيش في حاضر ابدي ، وبدون معرفة التاريخ لا يمكن ان نتخيل المستقبل من اجل تغيير الحاضر ، من الضروري حفظ الذاكرة لبناء المستقبل } وانا من هنا وفي كل مرة دائماً ما اعود الى تاريخ العراق المعاصر وخصوصاً فترة الدكتاتور والتي يحاول اليوم الكثير طمسها ونسيانها معتبرينها فترة حزن وبؤس وكآبة وعلينا ان نغادرها الى الابد ، وكيف يستطيع الانسان مغادرة ذاكرته المتوقدة والحية ، ثم كيف يستطيع مغادرة جراحه اصلاً وهو يواجه واقعاً مسخاً وبشعاً وهو نتيجة لكل ما حدث ومر عليه طيلة الـ( 35) سنة من الحقبة المظلمة ، من الضروري اذن حفظ ذاكرتنا العراقية ونحن نواجه المستقبل ، لاننا حين ندخل المستقبل بلا ذاكرة سنكون بالتاكيد بلا مستقبل وبلا ذاكرة او مرتكز لوعينا وهمنا وثقافتنا ، ولاننا مازلنا في صدد استعراض اقوال هذا الروائي الكبير فلا بأس ان اذكر احد اقواله بخصوص العذاب الذي تسببه الكتابة الروائية ، متذكراً احد الاصدقاء الذي شكالي ذات يوم انه يعاني كثيراً من الكتابة ! وهو لايامل بكسب ما من خلال كل هذا التعب ( سبولفيدا) يقول في هذا الصدد { الكتابة مجرد عمل وانه لامر يدعوني للضحك حين اسمع عن مؤلفين من مكابدة المعاناة الكبيرة عندما يكتبون فان كانوا يعانون كثيراً ، لماذا يكتبون اذن ، عليهم ان لايكونوا مازوشيين ويعذبون انفسهم } وهو ما يكون رداً فاحماً للذين يعلنون عذابهم من الكتابة ، الكتابة عندي هي محطة حب وجمال وتامل وتحليق في اماكن بعيدة عن ضوضاء البشر وقبح العالم ، لانها أي الكتابة تنقلني الى مواطن الجمال التي نسيها البشر او لم يكتشفها بشر بعد ولو انها عند هذا الروائي الكبير مجرد عمل يكسب منه قوت يومه فانها لنا نحن في هذا الشرق مجرد وقت تقضي فيه اوقاتاً سعيدة بعيداً عن الحزن والعذاب والموت اليومي ، انها بمعنى اخر خلق عوالم بديلة مصنوعة من الجمال الخالص كي تكون لنا ملاذاً امناً وانا متفائل جدا بوصولنا الى ساحل امل مشرق يقودنا الى تاسيس كتابة  جديدة تغاير كل ما كتب في الازمنة الماضية انها صرخة المستقبل القادم التي ستفتح للثقافة طريقاً جديداً يقودنا الى مستقبل مشرق.