[I]
يتمثَّل الإشكالُ العامّ للديموقراطية في الانتقال إليها. كما تتمثَّل الإشكاليَّةُ العامَّة للديموقراطية في الأساليب والأدوات والتقنيات المختلفة التي بواسطتها يتمُّ حكم الشعب- الأمة- الملة على نفسه / نفسها. بَيْدَ أنَّ ما هو الحاسِم في ذلك إنَّما هو مجتمعيٌّ؛ أي ما يُحدِّدُ كل ضروب الحكم من الأسفل إلى الأعلى. من الشارع إلى قصر الرئاسة.فما هو المضمون النظريّ لهذا الانتقال، وما هو المنظور النظريّ له؟
[II]
متى فُهمت الديموقراطية كسيستام مجتمعي، نكون أمام المضمون النظريّ لها على النحو الآتي: لا يتمُّ الانتقال إلى الديموقراطية من دون ثُلاثيَّة مجتمعيَّة أصليَّة تُحدَّدُ انطلاقاً من شروط مجتمعيَّة بنيوية؛ هي ثُلاثيَّة [الحداثة والتحديث- ومفهوم الدولة الحديثة- والمجتمع الصناعي].
كما أن المنظور النظريّ للديموقراطية يتمثَّل مباشرةً، متى أخِذَت من جذرها، على نحو مجتمعيٍّ، في ثُلاثيَّة تمثِّلُ [كيفَ- الانتقال] هي ثُلاثيَّة [التعدديَّة- والفصل بين السلطات- والفصل بين الدِّين والدولة الحديثة].
[III]
ولكن على أي نحوٍ، وبأي معانٍ يمكن الولوج إلى أطراف هاتين الثلاثيَّتين؟ وكيف يمكن أن نمسك بجذرهما مجتمعيَّاً؟
على مستوى المضمون النظريّ لمسألة الانتقال إلى الديموقراطية، بوصفها نتاجاً مجتمعيَّاً- وتاريخيَّاً، ضمن مجتمع بعينه، نتوقف عند المفاهيم الآتية:
I- الحداثة والتحديث ينتميان، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، إلى بِنيَة الاقتصاد في مجتمع بعينه.وهذا يرتبط، ارتباطاً مباشراً، بمفهوم الصناعة، والسياسات الصناعية. ويستحيل وجودهما إلاَّ انطلاقاً من شروط تاريخيَّة يصل، بواسطتها، المجتمع إلى بناء المصنع. أي الدورة الإنتاجية وثلاثية الإنتاج والتبادل والتوزيع، على المستوى الداخلي، والخارجي. وهذا، وهذا بالضبط، هو الذي يخرج المجتمع من كونه مجتمعاً استهلاكيَّاً، على نحو سلبي، إلى كونه مجتمعاً يستهلك مما يُنتج.
II- مفهوم الدولة الحديثة: بوصفها انتقالاً من عصر المَلَكية، والاقطاع، والكَنَسِيَّة، إلى عصر [المشروعيَّة- انطلاقاً- من- المجتمع- الكُلِّيِّ]، والمُلكيَّة الخاصَّة، والفصل بين الدِّين ومشروع الدولة. وذلك يُحدَّدُ بوصف الدولة مشروعاً بنائيَّاً للمجتمع. فلا ثَمَّةَ دولة من دون مشروع بناء الدولة الحديثة.
III- المجتمع الصناعي: يتميز بوجود سياسات مالية (من قِبَلِ الدولة)، ونقدية (من قِبَلِ البنك المركزي)، وصناعية، وزراعية، وتجارية، ...إلخ، تضع على عاتقها حماية المجتمع، والبلد، في استقلاليته عن البلدان الأخرى، وتحافظ على سيادة الدولة فيه. فلا ثَمَّةَ دولة من دون المصنع.
[IV]
على مستوى المنظور النظريّ لمسألة الانتقال إلى الديموقراطية، بوصفها نتاجاً مجتمعيَّاً- وتاريخيَّاً، ضمن مجتمع بعينه، نتوقف عند معادلات الفهم الآتية:
I- التعدُّدِيَّة: لا تختزل التعدُّديَّةُ في الحفاظ على حق الأقليات بالتمثيل. إنَّها تتضمَّنُ الانتقال من عصر المجتمعات إلى عصر الذَّوات الفاعلة مجتمعيَّاً. أي الانتقال من عصر هيمنة السساتيم إلى عصر حماية الحُرِّيَّة التي تنشدها الذَّات في المجتمع.
II- الفصل بين السلطات: تشتمل عمليَّة الفصل، إضافة إلى الفصل بين السلطات الثلاث، على الفصل بين المصادر الروحية للمجتمع، وبين ما هو ينتمي إلى التاريخي في المجتمع. فمن جهة أن التاريخي، في أغلب الأحايين، يُعاد تحديده وفقاً لما يقوله المصدر الروحي في المجتمع، فإنَّ الفصل يعني تحديد الحدود المجتمعيَّة، ضمن مفهوم المؤسسة المجتمعيَّة، بين هذا وذاك.
III- الفصل بين الدِّين، والدولة الحديثة: تدين الدولة الحديثة في وجودها التاريخي للدين. وبخاصة فكرة تجسُّد الخالق في هيئة إنسان. إنَّ ذلك يجعل منها سلطة تحديد السلطات. ولكن، هذا لا يتضمَّنُ، على الإطلاق، وقوع الدولة في التحديدات الدينية لها. لماذا؟ لأنَّ ثَمَّةَ تحديدات دينية للدولة، ضمن سياقات الفهم والمعنى والتحديد، هي لا تنتمي إلى المعاني التاريخيَّة التي من شأن المجتمع الحديث.