الانتخاب الفردي جوهر الإصلاحات

آراء 2019/11/17
...

محمد محبوب
من المؤكد أنّ أصل الإصلاحات وجوهرها هو تصحيح نظام الانتخاب عبر اعتماد "الانتخاب الفردي" ليكون معبراً بشكل حقيقي وعادل عن إرادة الناخبين، ومن ثمّ إعادة ثقة الشعب بالعملية الانتخابية، وهنا لا بدّ من الإشارة الى المقاطعة الشعبية الواسعة للانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2018 بسبب شعور الجمهور بأن لا فائدة من المشاركة في ظل وجود قانون انتخابات غير عادل ومكتوب بطريقة تضمن اعادة تدوير ذات الأحزاب القابضة على السلطة منذ 16 عاماً، من هنا فإنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ من تحرير السلطة المختطفة من قبل تلك الأحزاب وإعادتها الى مالكها الشرعي "الشعب" مصدر السلطات، وذلك لن يتحق إلّا بإلغاء نظام "سانت ليغو" واعتماد الانتخاب الفردي بنسبة 100% والدوائر الانتخابية المتعددة.
مع تزايد نفوذ الأحزاب الأوروبية مطلع القرن الماضي، شعرت بالحاجة الى تكريس احتكارها للسلطة فابتكرت نظام "سانت ليغو" كما جرى توظيفه في بعض الولايات الأميركية لإبعاد المواطنين السود عن السلطة، والواقع هذا النظام هو نوع من الاحتيال على الديمقراطية وعلى صندوق الانتخابات لتكريس سلطة الأحزاب الكبيرة وضمان احتكارها للحياة السياسية، وسحق الأحزاب الصغيرة وتزوير ارادة الناخبين بطريقة قانونية، كما نرى في بعض البلدان التي يقتصر الصراع فيها على حزبين كبيرين فقط أو بين أحزاب لايزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة، وبرغم وجود نسخ عديدة من هذا النظام لكن الأحزاب العراقية المتنفذة تمادت كثيراً في ابتكار النسخة الأسوأ والأكثر تزويراً لإرادة الناخب العراقي باعتماد القاسم الانتخابي 1,9 في الانتخابات الأخيرة عام 2018 وهي نسخة عراقية بامتياز وتستحق "براءة اختراع" إن كان للشر براءة ! 
وأقول ربما يكون نظام "سانت ليغو" مناسباً للبلدان ذات الديمقراطيات الراسخة المستقرة لكنّه لايمكن أن يكون نافعاً في الحالة العراقية، لذا لا بدّ من استبعاد هذا النظام بشكل نهائي وليس كما تريد الأحزاب والكتل العراقية البرلمانية الحالية التي طرحت أن تكون "مناصفة" بين الانتخاب الفردي والانتخاب النسبي، وهذا يمثل إلتفافا على الاصلاح الحقيقي واحتيالا على إرادة المتظاهرين.
والحل هو ببساطة اللجوء الى نظام الانتخاب الفردي الذي يعد الأكثر عدلاً في التعبير عن إرادة الناخبين ويخفف كثيراً من هيمنة الأحزاب على السلطة، إذ أنّ الفائز هو المرشّح الذي يحصد أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية الواحدة، وهناك اليوم ما يقرب من ثلثي دول العالم الديمقراطية تستخدم نظام الانتخاب الفردي الذي يتمتع بمميزات كثيرة من أهمها بساطة وسهولة معرفته وتطبيقه من قبل الناخب والمرشح، فضلاً عن قلة نفقات الدعاية الانتخابية، ومعرفة الناخب الشخصية لمن يختاره من المرشحين بسبب صغر مساحة الدائرة الانتخابية. 
الأحزاب والكتل العراقية الكبيرة مازالت ترفض نظام الانتخاب الفردي لأنّه ضد مصالحها وتحاول تبرير رفضها من خلال طرح بعض التحديات الفنية مثل عدم وجود تعداد سكاني حديث مما يجعل تحديد الدوائر الانتخابية عملية ليست متيسّرة، وكذلك "كوتا" النساء إذ هناك مخاوف حقيقية من عدم صعود نساء بالنسبة التي ينص عليها الدستور وهي 25 بالمئة، فضلاً عن "كوتا" الأقليات وغيرها، وهي ذرائع من الممكن معالجتها، فما لايُدرك كله لايترك جُله، المهم أن تضع العملية الديمقراطية على المسار الصحيح، والتعداد السكاني قادم وسوف يصحح تحديد الدوائر الانتخابية، ولا يوجد عائق فني أمام وضع "كوتا" للأقليات، أما "كوتا" النساء فقد أثبتت التجارب فشلها الذريع لأنّ 95 بالمئة من النساء اللواتي صعدن الى البرلمان عبر الكوتا لم يمثلن سوى أصفار عديمة الفائدة.