محمد شريف أبو ميسم
كنا نسمع بمصادرة الحقوق، وهو تعبير ينطوي على مفاهيم تتعلق بقمع الحريات ونعدام العدالة الاجتماعية، ومع انه ينسحب الى أبعد من مفهوم احتكار السلطة، الا ان هذا الأخير يمهّد للمصادرة التي تكون بدورها مدعاة للرفض الجماهيري جراء انعدام المساواة والعدالة وسوء الادارة وتفشي الفساد، وقد يتجلى الرفض بأضعف الايمان تحت سلطة الطغيان، فيما يعبر عنه بالتظاهر تحت مظلة النظم الديمقراطية، بيد أنّ حق التعبير عن الرأي اذا ما كان مكفولا في ظل النظام الديمقراطي، فإنّ هذا الحق على وفق كل المعايير الدولية التي تطالب بحقوق الانسان وفي مقدمتها الوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1948 ينبغي أن لا يتعدى حدود المساس بحقوق الآخرين، ومن هنا فإنّ من يتمتع بحق التظاهر تحت مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية وهي تقوم بواجباتها بهدف حمايته وحماية الممتلكات الخاصة والعامة، ينبغي أن يدرك أنّ حق السير في الطرقات العامة مثلا، هو من أبسط حقوق الناس التي ينبغي احترامها، وان من يمنح نفسه سلطة احتكار الحقوق، الى حد قطع الطرقات على المارة وترهيب الناس بهدف منعهم من الوصول الى أعمالهم تأسيساً لما يظن أنّه عصيان مدني، فإنّه يمارس ما ليس له بأسلوب ليس له صلة بالمدنيّة، ومن ثمّ يكون سلوكه مدعاة للريبة والخشية من عودة الاستبداد.من هذا المنطلق كنا نقول إنّ الحرية تبدأ من احترام حرية الآخرين بعيداً عن المساس بالمصالح العامة، وبالنتيجة فإنّ من لا يأبه بقناعات واختيارات الناس ويتعمّد المساس بحرياتهم ومصادرة حقوقهم، يكون وبالضرورة مشروعا لكيان بشري مستبد يمكن أن يؤسس بسلوكه مع أقرانه للاطاحة بمنظومة الحريات التي سالت من أجلها الدماء على مدار عقود من الزمن، ومورس بحق المدافعين عنها كل أنواع التعذيب في سجون الاستبداد، ومن هنا فإنّ هذا الذي يقطع الطرقات ويحتكر الحقوق تحت ظلال الديمقراطية وهو يتمتع بحق التعبير والتظاهر اللذين كفلهما الدستور انما يمارس أعلى درجات الانتهازية والفساد باستغلاله لمساحة حق التظاهر وتوظيفها لصالح نزعته ورغبته في احتكار الحقوق والتعدي على قناعات الآخرين، فيكون وبامتياز وريثا لدكتاتورية أزمنة القمع التي كانت فيها الطرقات مكتظة بفخاخ أجهزة الاستبداد التي تقطع الطرقات على الناس وتلقي القبض عليهم قهرا بهدف تجنيدهم في قواطع ما كان يسمى بالجيش الشعبي، وتوظيف سواهم من أصحاب المركبات والحافلات الخاصة في مايسمى بـ "الصخرة" لصالح أغراض منظومة الحكم الاستبدادي أو في مناسبات أعياد ميلاد السلطان وتظاهرات التأييد له ولأيام دولته البوليسية، وعليه، شئنا أم أبينا فإنّ هذا السلوك هو اعلان صريح عن وجود من يحاول ركوب موجة التظاهر وتحريف مسارها بعيدا عن الأهداف السلمية الرامية لاحداث التغيير الذي يطالب به الجميع وقطع دابر الفساد والاستئثار بالمواقع والامتيازات الحكومية لصالح امبراطوريات بعض القوى النافذة، وهو هنا وان كان يمارس سلوكه تحت مظلة الحريات والديمقراطية، الا ان هذا السلوك لا يمت بصلة لروح الديمقراطية التي تكفل الحريات لكل الناس، فيعلن وهو غير مكترث بالآخرين عن احتكار الحقوق على
يافطة سلوكه الاستبدادي.
وبناءً عليه، يكشف تحليل السلوك التعسّفي لمثل هؤلاء الأفراد عن نيّة ركوب النتائج باتجاه مصادرة وجود الآخر والبحث عن البديل الاستبدادي، بجانب ما ينجم عن مثل السلوك من تداعيات تفضي الى نكوص الرأي العام جراء الميل نحو العنف والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ومن ثمّ عدم تحقيق المطالب السلمية التي تدعو لاحداث التغيير نحو نظام سياسي عادل ومحاربة الفساد والمفسدين والدعوة لتحرير المشهد السياسي من قبضة امبراطوريات الفساد، وكثيرا ما استعانت الطبقات السياسية المفسدة بهؤلاء لاعطاء صورة مشوّهة لمن يطالب بتعديل مسار العملية السياسية وتصوير التظاهرات بوصفها غوغاء
وهمجيّة.