حمزة مصطفى
الساحة هي ساحة التحرير وسط بغداد. هذه الساحة وعلى مدى السنوات الماضية من 2011 الى 2019 تحولت الى واحدة من أشهر الساحات في العالم. كانت على مدى 7 سنوات تتنافس مع ميدان التحرير في القاهرة والطرف الأغر في لندن وتيانمين في بكين والشانزلزيه في باريس، لكنّها اليوم تتقدم على كل هذه الساحات بما فيها ساحات التظاهر الجديدة ومنها ساحة رياض الصلح في لبنان بما قدمته من ضحايا على مدى الشهرين الماضيين في سبيل الإصلاشح.
فالإصلاح معركة كبرى لاتقف عند حدود مطالب حتى وإن كانت مشروعة مثل تعديل الدستور أو قانون جديد للانتخابات أو للمفوضية أو قوانين أخرى بعضها مدرج على جداول البرلمان العراقي على مدى دوراته الماضية منذ عام 2007 والى اليوم. هذه القوانين ومثلها العشرات من القوانين الأخرى التي تهم حياة الناس لاتحتاج أن نقدم من أجل تشريعها أكثر من 300 شهيد وأكثر من 12 الف جريح حتى لحظة كتابة هذه السطور.
بصراحة إذا كنا ندفع كل هذا العدد من الضحايا من أجل بضعة قوانين أو إجراء تعديلات على جسم النظام فهذه مصيبة كبرى لن يغفرها التاريخ لكلّ هذا الجيل سواء كان متصديا في أهم مفاصل الدولة أو مواطنا عاديا. فالمسؤولية هنا تراكميّة يتحمّلها الجميع من دون استثناء. ولكن بالقياس الى مايجري سواء في ساحة التحرير وسط بغداد أو باقي ساحات الوطن إذ يتظاهر مئات الآف المواطنين، فإنّ الاستجابة من قبل الطبقة السياسية لاتزال دون المستوى المطلوب. ولذلك أسباب على مايبدو قسمٌ منها تطرّقت اليه المرجعية الدينية في معظم خطبها خلال الفترة الماضية ومنها خطبة الجمعة الماضية، إذ أنّ تقاسم المغانم لايزال هو المهيمن وهو مايمنع من إجراء إصلاحات جديّة وجذريّة. يضاف الى ذلك أنّ هناك من بين القوى والأحزاب السياسية من لايزال حتى بعد شهرين من الاحتجاجات ومع كلّ ماتمّ دفعه من ثمن فادح حتى الآن يختزل الإصلاح بما هو خدمي أو إصلاحي عام في جسم النظام السياسي مع بقاء آلياته مثلما هي وطبقا لما رسمه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بعد عام 2003. صحيح أنّ الخدمات وإصلاح منظومة الحكم مطلوبة وجوهرية بالفعل لكنّها بعد احتجاجات تشرين الأول الماضي لم تعد هي السقف الأعلى المطلوب الوصول اليه.
بل لا بدَّ من تغيير آليات النظام السياسي باتجاه رفض المحاصصة فعلا لا قولا. ولن يتم ذلك إلّا بتغيير قواعد العمل السياسي التي يبنيها الآن الشباب المتظاهر والتي تنسجم معها رؤى العديد من القوى السياسية التي بدأت تميل الى هذا التغيير الحقيقي الذي لن يطال بالتأكيد النظام الحالي بوصفه نظاما ديمقراطيا لا بدَّ من المحافظة عليه. ولذلك فإنّ الخلاص يتطلب الانسجام مع مايتمّ رسمه من ملامح تغيير حقيقي بدأ من ساحات التظاهر وفي المقدمة منها ساحة التحرير التي سوف تتكفّل ببناء وطن معافى ينعم بخيراته كل العراقيين على قدم المساواة.