أسعد اللامي.. رحيل بقايا الحلم

ثقافة 2019/11/18
...

عبدالامير المجر 
 
كان نهارا عاديا، من النهارات الاولى لأيام مابعد العام 2003 الممتلئة بالضجيج.. لقد تعرّفت وقتذاك، على أشخاص كثيرين، لم أكن أعرفهم من قبل، والتقيت اصدقاء آخرين، كنت قد فارقتهم سنين كثيرة، بسبب ظروف الحروب والحصار الذي جعل اغلب الناس تنشغل بشؤونها وشجونها، وايضا، كان هناك من اعتزل الوسط الثقافي، لاسبابه الخاصة
 أقول، كان نهارا عاديا، ذلك الذي التقيت فيه القاص والروائي حنون مجيد، وكان بصحبته صديق له، عرّفنا به.. أسعد اللامي، لا أتذكر حينها، هل عرّفنا باسمه مقرونا بصفته قاصا، ام لا، لكني أتذكّر جيدا، ان اسعد اللامي، قدّم نفسه الينا، قاصا، من دون ان يقول ذلك، اذ اهدانا نسخا من مجموعته القصصية (بقايا حلم) .. لم اتذكر ايضا تاريخ اللقاء بالضبط، لكني اتذكر الكثير من تفاصيله، ومن بينها اني وجدت نفسي متعلقا بهذا الشاب الوسيم، هادئ الملامح.
ولأني اسمّي نفسي قاصا ايضا، فرحت بتعرفي الى زميل جديد في هذا المشغل الابداعي، وكان عليّ ان أقرأ المجموعة، بعد ان عدت الى البيت، واعجبتني حقا.. كانت قصصه تقول لي ان كاتبها محترف، وليس من الطارئين ممن وجدوا في سهولة النشر، بعد العام 2003 فرصة، ليمطرونا بنتاجات لاتستحق
 عناء القراءة .. 
لقد فرض اسعد اللامي احترامه على الجميع، مبدعا، مثلما سيفرض نفسه انسانا، يتحلّى بدماثة خلق، اثارت الاعجاب بهذا الاديب الذي اخذ  يتألق مع السنين، إذ اصدر عددا من الروايات، نالت الاهتمام النقدي الذي استحقته .. تعمّقت مع الايام علاقتي باسعد اللامي الذي بات من اقرب اصدقائي، وكنت اقرأ ما يكتب، ويحرص هو على اهدائي نتاجاته، وكنت اتحدث اليه عنها مبديا رأيي في الجلسات الكثيرة التي تجمعنا
 باستمرار.
اللقاء قبل الأخير، الذي جمعنا وحدنا، أنا وهو، كان على هامش معرض بغداد للكتاب مطلع هذا العام 2019، في نادي جمعية التشكيليين، المقابلة للمعرض في المنصور، وفيه تحدث لي باسهاب عن وضعه الاجتماعي، وعرفت للمرة الاولى ان والدته، تربوية، بعد ان كنت اعتقد انها كأمهاتنا الأميات البسيطات، لاسيما أنّه من مواليد مطلع الخمسينيات، إذ كانت الامية المستشرية، والمرأة، حينذاك، شبه مقصيّة عن الحياة المدنية والثقافية، إلّا ما ندر، خصوصا في الجنوب، واسترسل في الحديث عن الظروف التي اجبرته على الابتعاد عن الوسط الثقافي، بسبب قناعاته السياسية وظروف معينة مرّ بها.. لم نلتق وحدنا بعدها، لانشغاله بالعلاج وظروف المرض، الذي يبدو انه تفاقم في الاشهر الاخيرة، حتى كان آخر لقاء بيننا مطلع نهاية آب الماضي، بعد عودتنا من تشييع الصديق الراحل الشاعر ابراهيم الخياط، في قاعة اتحاد الادباء، ودّعني ولم أكن أعرف أنّه الوداع
الأخير..
 لقد ظل أسعد قويا وهو يواجه شراسة المرض، وظل متمسّكا بالحياة، يتفاعل مع مشاهداته اثناء رحلة علاجه الى الهند، وينقلها الينا، من خلال صفحته في الفيس بوك، بطريقة ادبية رائعة، وكأنّه كان سائحا للمتعة او رحّالة، يلتقط مواقف وطرائف للهنود، ويعلق عليها، مشفوعة بالصور، وكذلك المواقف والمفارقات التي رافقت رحلة علاجة التي امتدت نحو عامين، ظل خلالها متماسكا وقويا، لم ينهر نفسيا امام قسوة المرض، او يستسلم وينطفئ، على الرغم من نتائج التحليلات التي كانت محبطة..
اسعد اللامي من الاصدقاء الذين سيبقون في ذاكرة كلّ من عرفه، ليس فقط بابداعه، بل بخلقه الذي كان مثالا، يذكّر بانسان رائع، استحق احترامنا جميعا، وترك في قلوبنا غصة لفراقه، الذي انهى بقايا حلم، كنا نلملمه في لقاءاتنا الجميلة، وهي تنتزع الجمال من بين انياب واقعنا القبيح، والذي زاده قبحا فقد الأحبة المستمر.. لروحك الرحمة والسلام ياصديقي
الجميل.