ديفيد جوليت *
ترجمة : أحمد فاضل
هذا كتابٌ يمكن قراءته بشكل رائع، "كلكامش: حياة قصيدة" لمؤلفه مايكل شميدت، صادر عن مطبعة جامعة برينستون الأميركية بعدد صفحات بلغت 144 صفحة، تمّت كتابته وتنقيحه ونشره بالاعتماد على نسخة من مخطوطة واحدة بالكاد نجت من حريق عام 1731 في مكتبة الأسكندرية، وقد تمّ ترميمها بسبب تلف أغلب صفحاتها، ومع أنّ تدمير عشرات الآلاف من النصوص القديمة كان قد تم بسبب ذلك الحريق والإهمال بحيث ليس لدينا أي فكرة عن مقدار ضياعها، من ضمنها مسرحيات غير معروفة لأيشيلوس وسوفوكليس ويوريبيدز، وحتى مؤلفين لكتب عديدة ومهمة لا نعرف أسماءهم، إلّا أن هذه النسخة التي عثر عليها في بريطانيا تعد الوحيدة الناجية من الحريق وانتقالها غير المعروف إلى هناك .
لكن على الأقل لدينا كلكامش، تلك الملحمة الشعريّة التي يقول عنها مايكل شميدت إنّها أقدم قصيدة طويلة في العالم تحكي عن البطل الأسطوري السومري كلكامش الباحث عن الخلود وصداقته القوية مع إنكيدو، وهي حتى أقدم من كلّ الملاحم التي ذكرت في القرن الخامس قبل الميلاد في أثينا، والذي جعلها تحتفظ بخلودها – كتبت في حدود 2700 ق. م - أنّها لم تكن مكتوبة على جلود الحيوانات أو ورق البردي، لكنّها كانت مختومة بالاسم السومري على أقراص من الطين والتي من المؤكّد أنّها بقيت في مأمن من التمزّق أو الاحتراق، لكن تلك الأقراص الخزفيّة كانت هشّة وكُسر الكثير منها حتما ووجدت شظاياها منتشرة على نطاق واسع في العراق وتركيا وإيران عام 1853، ومنذ ذلك الحين كان العلماء يعملون على دمج الشظايا بعضها ببعض ليحصلوا في النهاية على مبتغاهم، لذا فإنّ الأقراص التي تعرّضت للتشظي لا يزال كاتبها غير معروف، يقول شميدت :
" لا توجد أي آثار لشاعر يمكن التعرّف عليه حتى نقول إنّه من كتب تلك الملحمة".
أما بالنسبة لكيفية تعامل الآثاريين مع هذا اللغز من القطع المفقودة،
فيرجّحون أنّها كتبت باللغات اليونانية القديمة أو اللاتينية، أما شميدت فيرجّح كتابتها باللغات البابلية القديمة، والحثية، وعدد قليل من اللغات الغامضة الأخرى التي لم يتم فك شفرتها إلّا في القرن الماضي، إذ تمّ كسر الرموز الخاصة بها ما جعلها في متناول القراءة بعد ترجمتها إلى اللغتين اليونانية أو
اللاتينية .
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت مترجميها، إلّا أنّنا حصلنا في النهاية على مجموعة من الترجمات الجيدة التي تعطينا الأجزاء الرئيسية من القصيدة الملحمة، بشكلها السردي الممتع وأفعال شخصياتها المركزية، وقد كانت أفضل تلك الترجمات المفضلة لشميدت هي من تأليف أندرو جورج (1999) إذ يمكننا الوثوق بالكلمات المكتوبة بالحروف اللاتينية المنقولة بعناية إلى اللغة الإنكليزية، والذي جعل من تلك الترجمة دليلاً على مصداقيتها هو اكتشاف لوح جديد عام 2006 وافق على تخمينات جورج المدروسة، مما زاد من ثقتنا في أن لدينا نصّاً حقيقياً أو على الأقل أصدق وضوحاً من سابقيه وستتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل كما يقول شميدت، الذي يشعر بأن: "أن كلكامش أندرو جورج هو الإصدار الأكثر ملائمة حتى عندما تم تكييف نصه الشعري من قبل المسرحي إدوين مورغان له عام 2006 .
في الجزء الأوسط من الكتاب، يشق شميدت طريقه من خلال ما يصفه بـ«الألواح} الاثني عشر التي تمّت إعادة بنائها مؤقتاً، ويقوم بإجراء مسح للطرق المختلفة التي تمّ تخيّل القصيدة فيها وقراءتها وتكييفها للغتين اليونانية واللاتينية، وهو يوصي في الصفحات الأخيرة من كتابه هذا الشعراء والمسرحيين بدراستها واستخلاص عبرها، فهي لا تزال تنجح في إيجاد طريقها إلى مكتباتنا
وقلوبنا .
* ديفيد جوليت شاعر وأستاذ فخري للغة الإنكليزية بجامعة سيمونز، والمدير الأدبي لمسرح الشعراء، تم نشر قصائده على نطاق واسع بسبب توظيفه الملاحم الشعريّة القديمة ومنها كلكامش .
عن / مجلة سبيكتاتور البريطانية