ولد الشاعر الدنماركي إيريك ستينوس Erik Stinus في مدينة فوردنبورغ في الدنمارك عام 1934 وتوفي بعد صراع طويل مع السرطان في كوبنهاغن عام 2009. بدأ كتابة الشعر منذ أن كان بحّاراً في الأسطول التجاري الدنماركي، تلك المهنة التي أخذته بعيداً بين بلدان الشرق كالهند، باكستان، سريلانكا، وبورما.
ظهرتْ أولى قصائده في صحيفة دنماركية عام 1954، وسافر بين عامي 1956 -1957 عبر الهند إلى الشرق الأوسط ليقضي أشهراً في تركيا، إيران، والعراق. نشر العديد من المجموعات الشعريّة والقصصيّة وكتب الرحلات التي دوّن فيها تجاربه في أسفاره، فضلا عن كلّ هذا فقد قام بترجمة ناظم حكمت وعبد الوهاب البياتي إلى الدنماركية، كما أصدر مع آخرين أنطولوجيا للشعر العربي المعاصر ترجم فيه لأبرز الشعراء العرب المعاصرين.
فلنتعاهدْ، قالت نهال في "نفط خانة"،
إن أردنا اللقاء ثانيةً
فلنتعاهدْ على ألّا نموت
من أجل أيّة أرضٍ في أية حرب.
كان ذلك عهداً سريّاً
أُبرمَ في الساعة الثانية صباحاً
تحت صورة الملكة في البار
حيث كانت نهال تغسل الكؤوس
وترتّب ما خلّفه الزوّار الإنجليز،
فلقد رأت الدبّابات البريطانية هذا اليوم
وهي تغبّر عبر الصحراء باتجاه الغرب
وكان الهدف: مصر.
وفي الشرق حيث استتبَّ السلام
كانت الآبار تتدفق،
الجنود يسيرون طوابير،
ورجال الشرطة منشغلين باستراق السمع.
كان ذلك قبل إحدى وثلاثين سنة.
هل تَعِدني؟ سألتني نهال
واضعةً أصبعها على شفتيها
وأسقطتْ، حين افترقنا
كأساً على أرضية الحان.
يُقال إنّ بترول الغرب يحترق الآن
ولا جدوى لأن نهرع للمكان
بكلمات من ماء، بكلمات من زبد.
النفط يحترق
وبساط أسود من الدخان قد امتدّ
ولا جدوى لأن نأتي محلّقين على بساط الكلام،
فما من بساط يمكنه أن يدثّر هذا العالم برفق.
ومع ذلك، فما هو بنفط الغرب
بل الشرق، والشرق يوقده.
ولأجل حقيقتين
يتوجّب على عشرة آلاف جسد
أن تقفز إلى النار،
والأجساد الأكثر تحمّلاً، التي ستصمد حتى الموت
ستموت من أجل الأحقّ.
ما هو ببترول الغرب كما يقال
بل الشرق.
وليست نيران تكساس تلك التي تلتهب
ولا بحر الشمال.
حول نفط الغرب
تقايض الرئيس مع "شيفرون"،
رئيس الوزراء مع أصحاب الأساطيل
بسلام.
تماماً مثلما امتطى محمود دبّابته
دعاها "دبّابته"
وربّت على كتفها: "دبّابة ممتازة"!،
ومثلما اعتلى شاكر طائرته:
"طائرة رائعة، تحفة"!
كل هذا الذي كان كائناً ومتماسكاً
لم يعد كذلك الآن.
تناثر زجاج نوافذ المستشفى
وهرعت نهال إلى الخارج
تصرخ طالبة النجدة.
كيف سيمكنها أن تضمد كلّ هذه الحروق
وتزيل كلّ هذا الرصاص والشظايا
من الأجساد النازفة؟
ألم تتذكّر بأنّ العهد هو العهد حينما سقطتْ؟
شخصٌ ما دثّرها بغطاء من الصوف بلون الدخان،
حيكَ في إحدى القرى، وكان في البدء رمادياً
نوعاً من خيلاء امرأة أخرى
ابتاعت حطباً بالنقود التي باعته به،
أوقدته وهيّأت الطعام لابنها
الذي كان راضياً في ذلك الفجر الرماديّ،
ودّعها وهو يعدها: "سأعود قريباً"،
ثم استقلَّ الطريق المؤدي إلى الثكنات
الذي بلِّط حديثاً،
مدثّراً بذكريات دافئة عن بيته
وبدثاره الصوفيّ الرماديّ، الذي أصبح أسود
وهو الآن أبيض،
بياض العالم تماماً.
هوامش للقصيدة:
- نفط خانة: بلدة عراقية في محافظة ديإلى تقع قربها حقول اكتشفتها الشركات البريطانية بعد الاحتلال البريطاني عام 1924.
- شيفرون: شركة بترول أميركية متعددة الجنسيات.
- ثمّة لعب على مفردة tæppe التي تعني: سجادة (بساط) أو دثار (بطانية).