مع تصاعد حركة الاحتجاجات الشعبية الغاضبة من جهة، ومحاولات الطبقة السياسية والحكومة طرح الحلول التي تراها (مناسبة) لتوقف الاحتجاجات التي لا تقبل تلك الحلول من جهة ثانية، تتفاقم حدة ومأزق الوضع السياسي – الأمني الراهن بما يؤدي الى تعقيد اكبر مما كان يتوقعه كثيرون مع اندلاع شرارة الاحتجاجات في الاول من اكتوبر – تشرين الاول المنصرم. وخلال هذا الوضع المتأزم جاء موقف مرجعية السيد السيستاني الأخير الذي تلاه معتمده احمد الصافي في الصحن الحسيني بكربلاء يوم الجمعة الماضي الموافق (15/11/2019).
لقد عد هذا الموقف للمرجعية الدينية في النجف بأنّه الاكثر قوة ووضوحاً من المواقف التي سبقته مع بدء الاحتجاجات، رغم اهميتها ودلالاتها الكبيرة.
ففي هذا الموقف الاخير للمرجعية وجهت فيه العديد من الرسائل الكبيرة الاهمية واللافتة سواء للمحتجين او للطبقة السياسية والحكومة الماسكة بزمام السلطة، او الى عموم الرأي العام الذي ينتظر بلهفة ما ستؤول اليه تطورات الاحداث خاصة بعد ان قدم المحتجون مئات الشهداء وآلاف التضحيات من الجرحى والمصابين، فضلاً عن شهداء وجرحى الجيش والقوى الأمنية الذي سقطوا برصاص او قنابل (الطرف الثالث) الذي ما زال (مجهولاً). ففي حين اكدت المرجعية في رسالتها الى المحتجين دعمها لهم ولمطاليبهم المحقة المشروعة ودعتهم للاستمرار باحتجاجهم حتى يحققوا الاهداف التي انطلقوا من اجلها، وهو الامر الذي شكل دعماً ودافعاً حماسياً للمحتجين، كانت الرسالة الاخرى الى الرأي العام، لطمأنتهم بأن دماء ابنائهم وتضحياتهم لن تذهب هدراً وهباءً وان المرجعية تقف الى جانبهم حتى نيل حقوقهم المسلوبة.
اما الرسالة المهمة واللافتة فهي الرسالة الواضحة والصريحة التي وجهتها الى الطبقة السياسية المتنفذة ولمن بيدهم السلطة والتي تضمنت التنبيه والتحذير والمطالبة الحازمة بالاستجابة لتحقيق مطالب وحقوق المحتجين التي رفعت منذ الاول من اكتوبر
المنصرم.
ففي هذا الموقف الذي حرصت المرجعية على التعبير عنه بدقة ووضوح، كما في موقفها يوم الجمعة التي سبقت الاخيرة، ان يتلوه معتمدها في الصحن الحسيني مكتوباً وليس بتوجيهات عامة يتصرف المعتمد في التعبير عنها وتكون عرضة لتأويلات وتفسيرات
متعددة.
لقد اعلن معتمد المرجعية في خطبته الثانية الجمعة الماضي: لقد جاءنا من مكتب مرجعية السيد السيستاني في النجف ما يلي .. وذلك حرصاً على النقل الحرفي الأمين لموقف
المرجعية.
لقد عبّرت المرجعية في الفقرة الثالثة من رسالتها عن عدم اقتناعها بما أعلنته الحكومة من استجابة لمطالب المحتجين بالقول على الرغم من مضي مدة على الاحتجاجات والدماء الزكية التي سالت الا انه لم يتحقق الى اليوم على أرض الواقع ما يستحق الاهتمام.
وفي الفقرة الرابعة اكدت الى ان المواطنين لم يخرجوا بالتظاهرات الا لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد المتفاقم والخراب.
غير ان التحذير الاشد الذي وجهته المرجعية للطبقة السياسية هو قولها: واذا كان من بيدهم السلطة يظنون ان بإمكانهم التهرّب من استحقاقات الاصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنّهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها وفي كلّ الاحوال فلينتبهوا
الى ذلك !!.
إنّ ذلك يعني وبوضوح، وصول المرجعية، كما اكثرية الرأي العام العراقي وطبيعته حركة الاحتجاجات، الى ان يوم الاول من اكتوبر من هذا العام هو حد فاصل بين عراق جديد تتحقق فيه اهداف المحتجين وتسترد حقوقهم المسلوبة وبين عراق او نظام سياسي سلب تلك الحقوق وعجز عن تحقيق الاهداف التي طالب بها العراقيون بحركات الاحتجاج العارمة في السنوات السابقة لكن دون جدوى، اما الان فإنّ المرجعية السيستانية، كما غالبية الشعب العراقي يعتقدون، ان حركة الاحتجاجات الراهنة الغاضبة والواسعة ستتمكن من تحقيق اهدافها بعراق ما بعد الاحتجاجات الذي هو غير ما قبلها، بأمل ان يتحقق ذلك دون اراقة المزيد من الدماء
والتضحيات.