الترجمة الأدبيَّة في العراق

ثقافة 2019/11/22
...

استطلاع/ صلاح حسن السيلاوي 
بات من الواضح  انحسار المطبوع الأدبي المترجم في العراق، وصار التساؤل يتكاثر عن أهمية نوعه وتناقص عدده، أما المشكلات الرئيسة التي تواجه تطور عمليات الترجمة من اللغات الاجنبية الحية وغيرها الى اللغة العربية  في مشهدنا الثقافي فهي كثيرة، ومنها غياب دور النشر المختصة بالترجمة وإهمال الدولة حاجة المجتمع لما يصدر من كتب مهمة في مجالات الأدب والمعرفة في العالم إذ لا ميزانية تضعها الدولة عبر وزارة الثقافة لتنمية وتطوير الترجمة الادبية وغيرها من الترجمات في البلاد.
بات من الواضح انحسار المطبوع الأدبي المترجم في العراق، وصار التساؤل يتكاثر بشأن أهميَّة نوعه وتناقص عدده، أما المشكلات الرئيسة التي تواجه تطور عمليات الترجمة من اللغات الأجنبية الحية وغيرها الى اللغة العربية في مشهدنا الثقافي فهي كثيرة، ومنها غياب دور النشر المختصة بالترجمة وإهمال الدولة حاجة المجتمع لما يصدر من كتب مهمة في مجالات الأدب والمعرفة في العالم، إذ لا ميزانية تضعها الدولة عبر وزارة الثقافة لتنمية وتطوير الترجمة الأدبية وغيرها من الترجمات في البلاد.
ما هي المشكلات التي تواجه المترجم العراقي؟ هل تهتم وزارة الثقافة أو المؤسسات المعنيَّة بتوفير فرص مهمة للاطلاع على الثقافة الأجنبيَّة وتصدير المنجز الإبداعي العراقي إلى البلدان الأجنبيَّة عبر الاهتمام بصناعة مشهد ترجمي مهم؟ ماذا عن اهتمام دور النشر العربية والعراقية بمترجمنا؟
 
دور وزارة الثقافة
المترجم أحمد فاضل تحدث في بداية رأيه عن عدم إمكانية اعتماده على إحصائيَّة لعدد ونوع الكتب المترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية في العراق وذلك لشحها ولما يلاقيه المترجم العراقي من مشكلات تجعله يتوقف عما يمكن تقديمه للقارئ المتلهف لمعرفة الآخر. وأضاف فاضل بقوله: هنالك مشكلات كثيرة تقف بوجه المترجم العراقي لأنه لا يستطيع توفيرالكتاب الأجنبي وحتى المؤسسات الثقافية المعنية التي لم تألُ جهداً له، أخص بالذكر منهم وزارة الثقافة وهي الجهة الأولى بتوفيره بمختلف اللغات الحيَّة، ناهيك عن عدم الاهتمام بفتح قنوات اتصال مع المؤسسات الأجنبيَّة ودور النشر هناك لتوفير فرصة للمترجمين العراقيين بغية الاطلاع على المنجز العالمي في هذا المجال، وإلا ما فائدة وجود الملحقيات الثقافية العراقية في الخارج والتي لم توفر كتاباً أجنبياً واحداً هنا؟ أما بخصوص اهتمام دور النشر العربية والعراقية بالمترجم العراقي، فهي لا يمكن أنْ ترتقي إلى المستوى الذي يمكن اعتباره فاتحة خير في هذا المجال، ويبقى المترجم العراقي الوحيد الذي يترجم بجهده الشخصي وماله دون مساعدة من أحد.
ولحل مشاكل المترجم العراقي، الأمر يستدعي تدخل الجهات المعنية بذلك وأخص منها وزارة الثقافة بدوائرها المعنية بالترجمة، بتقديم العون المادي له وتوفير الكتاب الأجنبي حتى يتمكن من وضعه بيد القارئ وانتشاره في باقي أنحاء الدول العربية كما نرى ونلمس ذلك في عديد دورها في بيروت والقاهرة.
 
جهود فرديَّة
المترجم جودت جالي يرجح أنَّ الترجمة في العراق ما زالت لأسيرة الموضة وما تروجه المؤسسات الغربيَّة وباستثناء جهود فرديَّة.
وأضاف جالي بقوله: "لم نتوقف لبحث ما يحتاجه القارئ العراقي الآن وفي هذا الظرف من المطبوعات التي تصدر في الخارج. من جانب آخر نحن بحاجة الى ترسيخ الثقافة الواقعيَّة والحس الواقعي وتخليص المبدع والمتلقي من الفخ الفكري الذي وقعا فيه منذ الستينيات والى الآن بجهود نقدية وترجمية موجهة لصالح السلطات وهذا رأيي بحاجة الى تفصيل طويل. أما بالنسبة للاهتمام الذي يحتاجه المثقف والمترجم من المؤسسات الرسمية فأنا لن أقول إنهما بدءاً يحظيان بالاهتمام إنْ لم أشاهد مراكز ثقافية من أنحاء العالم تفتح عندنا وإذا لم أشاهد مختلف المجلات الأجنبية والمطبوعات متوفرة في سوق الكتب، أما كيف فهذه ليست مهمتنا نحن، على المؤسسات، حتى اتحاد الأدباء، حتى الصحف، والدور الأهلية المتمكنة والجهات الرسمية عمل اتفاقيات وقوانين تسهل انسيابية المطبوعات إلينا، وبعدها سنرى كيف أنَّ الوضع الثقافي سيزدهر تلقائياً، ولكنْ هل هذا حلم أم وهم في ضوء ما يجري من تغييرات في البنى الاجتماعية وموازين القوى التي تشكل مصدات كابحة الى الوراء؟".
وقال ايضاً: "أخيراً وليس آخراً الدعم المادي مطلوب، فلم تعد توجد في هذا العصر رومانسية الكدح وسهر الليالي مجاناً لسواد عيون الثقافة. ربما يدفع المترجم حبه لعمل أو كاتب مهم أنْ يقدم على ترجمة كتاب ولكن عدم مكافأة جهد المترجم جريمة ثقافية إنْ لم يكن عن عمد فعن قلة وعي".
 
الجهد الضائع
المترجم حامد خضير الشمري يقول: "قيل قبل سنين عدة إنَّ البلدان العربيَّة متأخرة في الترجمة خمسين عاماً، وأنا أجزم أننا في العراق متأخرون قرناً على الأقل. ومرد ذلك عائدٌ بالدرجة الأولى إلى ندرة وصول الكتب والمطبوعات الأدبيَّة والثقافيَّة الدوريَّة الأجنبيَّة إلى المكتبات العراقية في العاصمة، واستحالة حصول المحافظات على نسخة منها. وقد كانت فترة السبعينيات والثمانينيات ذهبيَّة في هذا المجال، إذ كانت تصل إلى عموم العراق، كل شهر، بعض المجلات مثل Soviet Literature و Chinese Literature اللتين كانتا ثريتين بموادهما التي تشمل الشعر والنقد والمسرح واللقاءات والفن وغير ذلك. وكان كل عددٍ من الأدب السوفييتي (آنذاك) يحتوي على رواية لكاتب شهير".
وأضاف "فجأة انحسر هذا الرافد المهم، وأصبح من الصعوبة بمكان أنْ تحصل على كتاب صدر حديثاً أو مطبوع دوري من هذا البلد أو ذاك إلا بجهد شخصي، أو عبر الانترنت الذي لا يجعل المترجم يتماهى مع النص كما يفعل الكتاب.. هنا ينبغي على وزارة الثقافة أنْ تنتبه إلى هذا الخلل الصارخ وتتلافى آثاره السلبية، ولا أظن أنَّ الأمر يحتاج إلى معجزة".
وتحدث الشمري قائلاً: "لعلَّ أهم ما يواجهه المترجم العراقي هو الاستخفاف بجهده ومنجزه الإبداعي، والرابح الوحيد هي دور النشر التي تستوفي منه مستحقات الطبع والنشر ولا تمنحه إلا عدداً ضئيلاً من النسخ، ثم تعيد نشر مؤلفاته وتشترك فيها بمعارض الكتب داخل العراق وخارجه وتجني منها الأرباح وليس له إلا أحلى الأمنيات!".
وتأسيساً على ما سبق فإنَّ وزارة الثقافة مدعوة إلى رفد الدار الوطنية وفروعها في عموم المحافظات بكثير من الدوريات والكتب الأجنبية في شتى روافد الثقافة، وكذلك إصدار مجلة شهريَّة رصينة على الأقل باللغة الانكليزية تختص بترجمة الإبداع 
العراقي. 
وعليها كذلك طبع ونشر وتوزيع المنجزات العراقية المترجمة في الشعر والقصة والرواية والنقد ليطلع العالم على ما يبدعه العراقيون لأنَّ الآخرين على الضفة الأخرى لا يعرفون عنهم شيئاً، وما تسرب إليهم لم يكن ليكون لو لم يكن هناك مُغرى شخصي أو سياسي.
للترجمة فرسانها في العراق لكنها في محنة حقيقيَّة، وهي تحتضر ببطء وانتشالها مما هي فيه ليس بالأمر المستحيل.