كيف نفهم ما نقرأ؟

ثقافة 2019/11/23
...

عفاف مطر
 
الكثير من الناس لا يحققون من قراءاتهم المختلفة النتيجة المرجوَّة، لذلك وضع الباحثون عدة خطواتٍ للقراءة المتعمّقة تعزز من فهم الشخص واستيعابه للنصِّ المكتوب، وتُعرَف هذه الخطوات باستراتيجية القراءة المتعمقة، ومع الوقت أصبح هناك عدد من الاستراتيجيات الفعالة للمساعدة في فهمٍ أعمق للنص وهي تأتي معاكسة للقراءة السريعة، إذ أن القراءة السريعة تعتمد على القراءة في وقت أقل لكن دون التعمق.
هناك عدد من الاستراتيجيات التي تساعد الإنسان في فهم ما يقرؤه بطريقةٍ أفضل، ومنها: 
استراتيجية SQ3R هي طريقة اتُّبِعت في جامعة أوهايو بأميركا منذ عام 1930 لمساعدة الطلاب في القراءة الفعالة للكتب العلمية والأدبية، وطوَّرها عالم النفس التربوي فرانسيس روبنسون عام 1946 في كتابه (الدراسة الفعالة)، ورُمِز لها بـ(SQ3R) نسبةً إلى الحروف الأولى من الخطوات الخمس التي تتبعها هذه الاستراتيجية لقراءةٍ متعمقة وفهمٍ للكتب، وهي استطلع أو تصفح “Survey”، اسأل”Question”، اقرأ “Read”، سمّع “Recite”    .
خطوات القراءة المتعمقة SQ3R الخطوة الأولى: الاستطلاع (survey) تأتي عملية الاستطلاع في بداية عملية القراءة المتعمقة عن طريق فحص محتويات الكتاب ومعرفة شكله وعنوانه والصور الموجودة فيه، وتبيُّن محاور هذا الكتاب وقراءة الملخص والفهرس في أوله، وتُفيد هذه الخطوة في معرفة الفصول والمحتوى الذي سيدور حوله الكتاب، وبعدها قراءة العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية لتُشكِّل نظرةً مكتملة عمَّا يدور حوله الكتاب، وهذه الخطوة البسيطة لا تستغرق أكثر من بضع دقائق، وبعدها يمكن للقارئ التركيز أو الانتقال إلى الفصل الذي يريد قراءته مباشرةً في حال لم يكُن يريد قراءة الكتاب بكامله. الخطوة الثانية: السؤال (Question) في مرحلة الاستطلاع، يكون القارئ قد كوَّن بعض الأفكار العامة حول الكتاب والكاتب والمحتوى، ومن ثمَّ فإنَّ تدوين هذه الأفكار على شكل أسئلةٍ حول العنوان ومحتوى الكتاب والعناوين الفرعية والفقرات سيساعد في تحديد هدف القراءة والنقاط التي يريد القارئ أن يركز عليها، ويجب ألَّا يضع الشخص حدًّا للأسئلة التي تثير فضوله وألَّا يستعجل الإجابة، بل يسعى إلى تدوين كل ما يدور بخاطره بشأن المحتوى. الخطوة الثالثة: القراءة (Read) في هذه الخطوة يبدأ الفرد في القراءة عن طريق التركيز على الفقرات المكتوبة، وتحديد الكلمات والمصطلحات الصعبة للرجوع إليها والبحث في معناها، كما يُركِّز القارئ على النسب المئوية وكل ما يشكل له معلومةً جديدة ويضيف إليه قيمة، فضلا عن سعيه إلى الإجابة عن التساؤلات التي وضعها، وستساعده هذه المرحلة على التركيز وتحليل المعلومات التي يقرؤها ويحتاج إليها، والتجاوز عمَّا لا يمثل له أية منفعة. الخطوة الرابعة: التسميع(Recite) بعد البحث عن إجابات الأسئلة والتركيز على ما كُتِب في كل فقرة، يبدأ القارئ بالإجابة عن تساؤلاته بشكلٍ خطي في ورقةٍ أخرى وفقًا لفهمه المضمون وتحليله المعلومات، فإذا لم يستطع تذكُّر الإجابة يمكنه أن يلقي نظرةً على الكتاب ومن بعدها تدوين الإجابة، وستساعده هذه الطريقة على الحفظ 
والتذكُّر. الخطوة الخامسة: المراجعة (Review) تشتمل هذه الخطوة على مراجعة الأسئلة والإجابات دون النظر في الكتاب أو الورقة، ومن ثمَّ تثبيت المعلومات في الذاكرة لأمدٍ طويل، ويمكن الاحتفاظ بورقة الأسئلة لتكون مرجعًا للقارئ لتذكُّر المعلومات من وقتٍ إلى آخر. 
استراتيجية GSSW اعتمد باري كيسي مدرس الفلسفة في جامعة ترينتي واشنطن استراتيجية(GSSW) للقراءة المتعمقة في تدريس مادة الفلسفة الاجتماعية والسياسية والأخلاقيات للطلاب، والتي كانت تشتمل على قراءاتٍ لأرسطو وروسو وهوبز ولوك. وهذه الاستراتيجية اختصار لرموز الخطوات الأربعGather اجمع، Sort جزِّئ، Shrink اختصر، Wrap الخلاصة. خطوات القراءة المتعمقة GSSW الخطوة الأولى: الجمع (Gather) يقرأ القارئ النصِّ -كخطوةٍ أولى- بصوتٍ عالٍ ثم يُدوَّن ويجمع الملاحظات عن أبرز الأفكار التي وردت في النصِّ المقروء. الخطوة الثانية: التجزئة (Sort) بعد عملية تجميع الأفكار وتدوينها، يقسم القارئ هذه الأفكار إلى أجزاءٍ وفقًا للموضوعات التي يضمُّها النص وربطها ببعضها. الخطوة الثالثة: الاختصار (Shrink) تقوم هذه الخطوة على معرفة الأفكار الأساسية، التي يدور حولها النص، والتعبير عنها بكلمات القارئ الخاصة، واستبعاد الأفكار غير المهمة، وتُعدُّ هذه الخطوة ضروريةً لفهم أكثر عمقًا للنصِّ المقروء. الخطوة الرابعة: الخلاصة (Wrap) في هذه الخطوة الأخيرة من القراءة المتعمقة، يكتب القارئ الخلاصة التي يدور حولها الكتاب وأهم الاستنتاجات والأفكار التي استوعبها، ومن الممكن أيضًا رسم خريطةٍ توضيحية لهذه الأفكار لسهولة تذكُّرها فيما بعد. المهارات التي يكتسبها الفرد بالقراءة المتعمقة تدفع عملية القراءة المتعمقة إلى تعزيز مهارات الفهم والإدراك، والتفكير الاستنتاجي والاستدلالي، ومهارات المناظرة والتحليل النقدي، كما تساعد على تحسين الانتباه والوعي لدى الإنسان. تشير الكثير من الأبحاث إلى أهمية القراءة المتعمقة للصحة العقلية، بسبب نشاط المخ وحيويته عند الاندماج مع الأفكار التي يقرؤها الإنسان، فيشعر بالخوف والمعاناة والسعادة التي سطرها الكاتب بحروفه، وهو ما يُعزِّز مهارات التفاهم والذكاء العاطفي لدى القارئ المتعمق. 
تساعد القراءة المتعمقة، التي تعمل على تحليل النصوص والأفكار، على تطوير عمليات التفكير والتأمل والتخيُّل في الدماغ، وهو ما ينمي القدرات التعبيرية والشفوية، ومن ثمَّ القدرة على الكتابة والإلقاء. نتيجةً لكثرة اطلاع الفرد على الكتب والمعارف المتنوعة، يولد ذلك عنده الأفكار المختلفة والقدرات الإبداعية. 
تساعد القراءة عمومًا على التخلص من الاكتئاب والتوتر العصبي، وذلك بسبب اطلاع القارئ على أفكارٍ وأبعاد جديدة للحياة من خلال التجارب التي قرأ عنها، ممَّا يقلل من الأفكار السلبية التي تجتاحه عند التعرُّض للمشكلات.