دول الإقليم.. حصاد الخراب القديم

آراء 2019/11/23
...

عبدالامير المجر
 
تقوم الدول المتقدمة وباستمرار، بتأسيس معاهد ومراكز للبحوث والدراسات الستراتيجية، على المستويات المختلفة، سياسية، ثقافية، علمية .. الخ، لترفد صانع القرار بالرؤى والتصورات المستقبلية، كلّ في مشغله، وينعكس ذلك على وزارات الدول ومؤسساتها، التي تجد باستمرار ما يضيء لها الطريق في عالم باتت علاقاته ومصالحه المختلفة تتشابك وتتعقد، بفعل معطيات الحياة المتجددة. وكلنا يسمع ويرى كيف يجري الاهتمام بما يطرحه المعهد الفلاني، اميركي، اوروبي، صيني، ياباني، من تصورات للمستقبل في مشغل معين. لان رؤيته ومعالجاته تتجاوز غالباً، حتى الدول التي هو فيها.
لقد كتبنا كثيرا، لاسيما بعد اندلاع حريق ما يعرف بـ (الربيع العربي)، عن ضرورة انعقاد مؤتمر اقليمي، تكون على رأسه الدول الكبيرة، مثل العراق ومصر والسعودية وايران وتركيا، ليضع ستراتيجية مشتركة، تمثل ما يشبه الخطوط العريضة لسياسة هذه الدول تجاه قضايا مصيرية تهمها، بعضها قديم وبعضها الاخر، استجد مع تداعيات (الربيع العربي)، الذي لايجد المتابع صعوبة في معرفة الجهات التي وقفت وراءه والاهداف التي تبينت لاحقاً من اشعاله بهذه القسوة، بعد ان فتحت الابواب لقوى ارهابية تكفيرية، أوهموها بانها ستصبح صانعة مستقبل هذه المنطقة على هواها، وهذا ماتتفق على صدقيته اليوم، انظمة دول الاقليم كلها، بعد ان رأت مخرجات هذه اللعبة وكيف ان الجميع دفع الثمن، بينما كان بالامكان تجنب هذه الخسارة المركبة، لو ان تصوراً واقعياً مشتركاً لهذه الدول، كان بمثابة خارطة طريق لعلاقات تحتاجها الشعوب، وليس مشاريع عقائدية طوباوية تتبناها الانظمة، دفعتها لاحقاً للانغماس في تداعيات الاحداث، بدلاً من قراءتها جيداً والتصدي لها.
لقد كان واجباً على دول الاقليم، ان تتبنى، وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي، انشاء مراكز بحوث مختلفة، وفي مقدمتها للسياسات الستراتيجية، وما اكثر العلماء في هذا المجال، ليقدموا استشاراتهم وتصوراتهم لمستقبل العالم بعد هذا التحول الكبير، وكيفية مواجهة استحقاقاته، واعادة النظر بخارطة العلاقات، اقليمياً ودولياً، بما يجعل دول المنطقة، اكثر وحدة في موقفها من قضايا مهمة، واكثر تماسكاً في مواجهة التداعيات الاقتصادية القادمة، بالاضافة الى تصورات ثقافية، يستشرفها مختصون، بعد تراجع بعض الطروحات الراديكالية، يسارية او اسلامية او يمينية، والبحث في حلول ممكنة لبعض القضايا الكبيرة العالقة، كالقضية الفلسطينية، والخلافات بين بعض دول الاقليم في مسائل تستدعي تطورات الواقع الدولي وضع حد لها، لمواجهة تحديات اكبر.. لكن مرّ اكثر من عقدين والانظمة غارقة في خلافات عقائدية او سياسية، يذكيها تنافس غير مشروع على مناطق معينة، توهمت انها قادرة على ضمها او احتوائها، انتهت الى زيادة الخنادق بين الدول، ووسعت من الهوة، واضعفت الجميع. 
نعم، غابت النظرة الى المستقبل، وظلت الانظمة تغذ السير اليه مثقلة بحمولاتها العقائدية وخلافاتها السياسية السابقة، وكأن شيئاً لم يتغير من حولها، لتجد نفسها بما هي فيه اليوم من مشاكل استعصت على الحلول وباتت تكبل الانظمة والدول معاً، كونها استنزفت طاقات شعوبها بالحشد ضد بعضها، قبل ان تكتشف انها كانت مخدوعة كلها، فمنطقة الشرق الاوسط، خط دولي احمر، يصعب على اية دولة اقليمية التلاعب بخرائطها او توسعة نفوذها السياسي والاقتصادي فيه على حساب الكبار ومصالحهم، ممن رسم اجدادهم الخرائط من قبل، وظل الابناء والاحفاء امناء على وصايا الاجداد ووسائلهم في ادارة اللعبة السياسية في منطقتنا، التي رسمتها لهم من قبل مراكز بحوث ودراسات ورحّالة ومستشرقون، ليجد الساسة، الخرائط واضحة والطرق معبدة امامهم لتنفيذ مشاريعهم، التي مازالت مستمرة بمنطقتنا، وبغفلة طويلة جداً منا .. للاسف.
تنصيص / كان واجباً على دول الاقليم، ان تتبنى، وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي، انشاء مراكز بحوث مختلفة، وفي مقدمتها للسياسات الستراتيجية، وما اكثر العلماء في هذا المجال، ليقدموا استشاراتهم وتصوراتهم لمستقبل العالم بعد هذا التحول الكبير، وكيفية مواجهة استحقاقاته.