سأسرقُ برقَ الآلهة

ثقافة 2019/11/25
...

غوستاف مونش ـ بيترسن

ترجمها عن الدنماركية: جمال جمعة
1. حياةٌ فقيرة
هؤلاءِ هُم،
مَن كلّ ليلةٍ يستريحون على ذات الغصن
ويأكلون، فقط، من الإناء الصحيح.
هؤلاءِ هُم،
مَن يغنّون، كلَّ صباح، الأغنية ذاتها
ودائماً لنفس الحبيب،
دائماً لإله واحد.
هؤلاءِ هُم،
مَن يتبعون، فقط، طريقاً واحداً على الأرض،
مَن يخافون من موتٍ واحد،
ومَن يحيون حياةً واحدةً، فقط.
 
 
 
 
2. قدوة
لستُ سوى إنسان
لكنّني ذاتَ يومٍ
سأقتلعُ الجبالَ عن الأرض
وأجعلها تقرقع
عند آذان أولئك النائمين.
لستُ سوى إنسان
لكنّني ذاتَ يومٍ
سأُنزلُ الشمسَ من السماء
وأجعلها تضيءُ الثقوبَ المظلمة كلّها
بضوءٍ أبيضَ لا يرحم.
لستُ سوى إنسان
لكنّني ذاتَ يومٍ
سأسرقُ برقَ الآلهة
وأكنسُ الغبارَ من على وجه الأرض.
3. عندي معطفان
عندي معطفان،
أتبادلُ لبسهما ـ
واحدٌ من جِلد فيلٍ،
والآخرُ من بَشَرةِ فَراشة.
الأوّلُ للطقس الرماديّ،
ولوقتِ الحرب،
في ميدان القتالِ،
وغمار الكلمات السيئة
أسيرُ في جِلد فيل.
وشعاع الشمس هو الأحسن، لمعطفٍ من بَشرة فراشة ـ
عندما أحلُّ بين أصدقائي،
في طمأنينةٍ وسلام،
حينها تشفّ دواخلي
خلل الأجنحةِ والألوان.
سوى أنّ فيهما عيباً واحداً فقط
وإلّا لكانا معطفين رائعين:
ذلك أنّي لستُ مَن يُقرّر
متى يُلبسان.
 
 
 
 
4. النوم
لستُ مُغْرَماً بكِ
لكنّني سأجيءُ إليكِ
يوماً ما،
حينما تتعلّق الريح، كسلى، على الشمس
كطفلٍ هَدَّهُ التعبُ من اللعب.
سآتي إليكِ على الساحلِ
حيث تتناثرُ التضاريس، كرمادٍ دافئ، على الماء
والبحر ضوء أخضر، شاحب،
يخشى انهراقَ الماء على اليابسة.
في ذاك اليوم تكونين مستلقيةً
كمثل موجةٍ، من زبدها النظيف
خَلقت الحياةُ وركيكِ.
لستُ مغرماً بكِ،
لكنّني، ذاتَ يومٍ سآتي إليكِ
وأدفع بعينيّ المشتعلتين
باتجاه حضنك الفاتر، العميق ـ
 
 
 
 
5. ليـل
في الليل تأخذنا الريبة.
أناسٌ صغارٌ، ضعافٌ
في بيتٍ فارغ، كبير.
إنّه مكان جيّد في الليل،
حيث لا نستطيع أن نملأ الظلامَ
إلّا بأشياء مجهولة.
التوجُّس
يدبُّ كالفئران
بذيولٍ باردةٍ طويلة
تطلع من ثقوب سود.
توجّسٌ من اللاشيء،
الذي لا نعرف،
ولا نعلم، أنّه لا شيء ـ
كم أنّ الناس صغارٌ
في الليل!
 
 
6. الرجل الكبير
بخطىً كبيرةٍ
يسيرُ ويركلُ،
وبشدّة يخبط الأرضَ،
لكنّ العشبَ
ينهض ثانيةً،
من ذات المكان الذي داستهُ
قدمُه الضخمة،
والأرضُ تبتسمُ، كما لو أنّ شيئاً لم يحدث،
فيما الأزهار تفكِّر بشيءٍ آخر.
بصوتٍ مُرْعِد
يمضي ويعوي،
ليهزّ الهواءَ ويرعده،
لكنّ الغيوم
تمرُّ منسابةً بهدوء،
في ذات المكان الذي انحدرَ اليه 
الرعدُ،
والسماء تبتسم، كما لو أنّ شيئاً لم
يحدث،
فيما الشمسُ تفكِّر بشيءٍ آخر.
 
 
 
 
7. إلى والديَّ
لم أكنْ ذلك الذي انتظرتماه،
لقد أصبحتُ كلَّ ما كنتما تتوجّسانه.
جعلتماني أكبر
وأطعمتماني مِن عوزكما
ربّيتماني على دموعٍ مخفيّةٍ،
ربّيتماني
لأعيشَ حياتكما، أواصلها.
هل عليّ أن أقول:
هكذا عشتما، أنتما على حقٍّ.
لكنْ من الجيّد أيضاً أن يُعاش
هكذا.
هل عليّ؟
أم أنّني سأقتلُ فيكما الأملَ؟
أخبركما بأنّني لم أكنْ كما
كنتما،
بأنّ عالَمي عالَمٌ آخر لا يشبه عالمكما،
سعادتي،
آلامي تختلف عنكما ـ
أستصدّقانَ امتناني لكما،
شُكري للحياة التي وهبتماني؟
أم ستقولان:
لقد نالَ كلَّ شيء،
أخذَ كلَّ شيءٍ منّا،
ولم يُعد لنا
غير الخيبةِ والألم.
أعرفُ بأنّكما على حقّ، حينما 
تقولان هذاـ
لكنّني أؤمن بأنّني على حقّ
أيضاً، حين أذهب الى أرضي الخاصّة.
إلّا أنّني أذهبُ متردّداً،
أذهبُ بطيئاً ومتثاقلاً،
لكنّني أؤمنُ بأنَّ عليَّ الذهاب.