حسب الله يحيى
في المألوف الخاطئ، والحكمة الغائبة، ان يتوجه عدد من الافراد وحتى الحكومات.. الى وصف من يختلفون معهم في الرأي والموقف، الى ان هؤلاء سطحيون وهامشيون وسيئو الخلق.. والى ما سواها من الصفات التي تقلل من شأن خصومهم..
ومثل هذا التوجه، يدين فيه المرء نفسه، والحكومات تبدو عاجزة عن مواجهة الاخرين بالاسلوب النابه والمتحضر والراقي.. فاذا كان من نختلف معه بهذا السوء ولا يرقى الى وعينا وادراكنا، فلماذا اذن نضعهم في موقع الاهتمام والرد أصلاً؟
الآخر الذي نناقشه ويستحق منا الوقوف عنده وتأمل ومراجعة ما يورده من حجج وبراهين وأدلة ترقى الى الرد بروح علمية ومنطقية ومواجهة الحجة بالحجة، والوثيقة بالوثيقة.. ومن كانت مسوغاته هي الادق والاهم في واقعيتها وحكمتها ودرايتها، ستكون بكل تأكيد.. مقنعة ومقبولة ومحترمة لمن تعنيه..
ان المنطقة الاضعف والاكثر رفضاً ان تقابل الاراء بلغة سفيهة وادعاء عابر وغضب وشتيمة.. فمثلها يغيب ما نملكه من حقائق ووقائع ورؤية منطقية.
والنظر من منطق الاقوى والاعلى مرتبة لا تكفي، فهي اسلوب الكبرياء الزائف والفهم العقيم والدراية التي تكابر من دون وجه حق، والتقليل من شأن الاخر ومناكدته والنظر اليه بفوقية.. لا تنم إلا عن كذب موتور واجابة غائبة وارادة لا تملك سوى السفاهة والضجيج والشتيمة.. وفي الحياة تجارب كثيرة، تؤكد ان التعامل مع منظور العدو القمئ والسيئ والفارغ، لا تؤدي إلا الى ردود افعال سلبية وقناعات قد تصل على عكس ما نريد ونتمنى.. نحن نحاور ونعاتب ونجادل ونختلف ونتفق مع من يشكل نداً معقولاً ومقبولاً وقريباً من تصورنا، وفي مكانة ترقى الى المكانة التي نحترمها في انفسنا، لا المكانة الاجتماعية التي هي أدنى من وجودنا ووعينا وحدود آفاقنا.. من هنا.. يحسن ان نحترم انفسنا في الرد على من نعدهم نداً مناسباً لنا ولأفكارنا ومواقفنا.. ومن لا يأخذ ويتعاطى في بلاغة الكلمة ومنطقها، لا ضرورة أبداً ان نضعه في مدار تصورنا واشغال العقل في أمره.. ولو أدرك الفرد منا، والحكومات التي تحكمنا وهي تواجه الاخرين، مواجهة العاقل الحكيم، لكنا وصلنا الى الكثير من المشتركات والقليل من الاختلافات وحتى الخلافات التي يمكننا وضع حلول مشتركة تجمع طرفين أو أكثر.. فالأمور لا تحل بالعصبية ـ أياً كان لونها وطبيعتنا ـ وإنما يكون حلها قائما على كل طرف جدير بالمناقشة والحوار الثري الآمن الجليل.. ولعل السبب في إدانة الغضب.. سرعته وغياب حجته وتصاعد وتيرة لحظته الانفعالية، في حين يكون الهدوء والبراهين في ايراد الحقائق، هي التي تؤدي بنا الى وضع قاعدة بناءة من الوئام والسلام والتوافق على كثير من الامور المشتركة.
ان الاعلى صوتاً، ليس الاقوى حجة وامتلاكاً للحقيقة.. والتوتر والكبرياء لا تقود بالنتيجة الى ما نطلب ونتمنى.
نحن على صح وعلى حق ما لم يأت من يفند رأينا، والاخر على خطأ وباطل ما لم يأت من يفند ذاك الخطأ ويصححه.. وفي تقابل الخطأ والصواب نصل الى الحلول الصحيحة والى السلامة والوعي المنشود..