الفرادة في عالم السود

ثقافة 2019/11/26
...

هدية حسين
 
 
يترجّلون من صهوات الحياة، بعضهم يمضي ولا يترك أثراً كما لو أنّه لم يعش في الحياة، وبعضهم يترك ظلالاً قليلة الفيء، فيما البعض الآخر يعيش بعد موته أكثر مما عاشه على الأرض، ومن الصنف الأخير نذكر أرنست همنغواي، دوستويفيسكي، مكسيم غوركي، المتنبي، سيبويه، الجاحظ وآخرون كثر، وبالتأكيد ستكون توني موريسون واحدة منهم، تلك المرأة الحكّاءة من طراز فريد، هي لا تحب أن يقال عن أدبها بأنّه أدب السود بسبب أنّها كرّست أعمالها لهذا الغرض، فإذا كان هناك أدب أسود فلا بدّ أن يكون هناك أدب أبيض.
عن عمر ثمانية وثمانين عاماً رحلت الأديبة الأميركية توني موريسون عن عالمنا في الخامس من شهر آب الماضي، تاركة إرثها الكبير المميز، وهي أول امرأة من أصل أفريقي تحصل على جائزة نوبل للأدب سنة 1993، وحاصلة على أكثر من ثلاثين جائزة، منها جائزة بوليتزر عن كتابها (الحبيب) الذي أدرجته مجلة التايم في قائمة أفضل 100 رواية بالانكليزية بين عامي 1923 و 2005.
هي التي لم تصدق حين أخبرتها صديقتها عبر الهاتف أنّها فازت بجائزة نوبل، لدرجة قالت لصديقتها: إنّكِ تهلوسين، فلم يسبق لكاتب أميركي زنجي أن ينال هذا الشرف العظيم.. ولهذا أعتُبِر عام 1993 عام فوز ليس لتوني موريسون وحدها بل لكل الكاتبات
 الزنجيات.
توني موريسون كرّست كتاباتها لأبناء جنسها، خصوصاً النساء تحت وطأة العبوديّة، إذ كان الزنوج يُستخدمون في السخرة ولا يملكون سوى ما يوفر لهم أسيادهم البيض من خبز، بل حتى أرواحهم كانت ملكاً لسلطة البيض، يسوطونهم متى شاؤوا ووقت ما يشتهون، في روايتها (أغنية سليمان) تناولت حياة رجل زنجي يحاول الهرب من العبودية إلّا أنّه يعود دائماً الى عذابات أجداده الزنوج. 
وفي رواية (صولا) تتبع توني موريسون سيرة امرأة من السود تسقط في الخطيئة، وتعيش حياة مضطربة، وتبقى طيلة حياتها تبحث عن سلام النفس فلا تجد، وفي هذه الرواية تحديداً تمثل صولا الجيل الثالث من الزنوج خلال أربعينيات القرن الماضي، وبموتها يتنفّس أهل القاع (الزنوج) الصعداء، لكن توني موريسون تمدد فترة روايتها حتى منتصف الستينيات وما بعدها، عندما طرأ بعض التحسّن على حياة الزنوج، وصار باستطاعتهم أن يذهبوا الى أي مكان في المدينة، أما في رواية (بيلوفيد) فتحكي عن امرأة زنجية تدعى بيلوفيد، قتلت طفلتها البالغة من العمر سنتين لكي لا تُستعبد عندما تكبر، وبعد أن قتلت ابنتها أرادت أن تنتحر لكنّها أنقِذت قبل أن تنفذ الانتحار، وهي قصة حقيقية حدثت خلال الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال
 والجنوب.
ولتوني موريسون العديد من الروايات، منها: العين الأكثر زرقة، و جاز، ومحبوبة، وطفل القطران، وقد أسهمت بإثراء التراث الأدبي بشكل مميز، ولهذا منحتها مؤسسة الكتّاب الوطنية عام 1996 ميدالية المساهمة المتميزة في الآداب الأميركية، ولها أيضاً مسرحيتان وعدد من قصص الأطفال.. هذه هي المرأة التي ستبقى في الذاكرة الأدبية لأجيال
 مقبلة.