نوزاد حسن
لا أبالغ لو قلت ان لدينا اعظم بابين صنع احدهما من خشب عادي وصنع الاخر من ذهب لما ابتعدت عن الحقيقة قيد شعرة. بالتأكيد انا لا اتحدث عن باب خيبر ولا عن الباب العالي ايام العثمانيين. انا اتحدث عن الباب الثاني من الدستور العراقي، والباب الثالث منه ايضا. فما حكاية هذين البابين، باب الخشب العتيق بمطرقته المعدنية وباب الذهب الجميلة.
من قرأ الدستور العراقي يعرف ان الباب الاول منه عنوانه "المبادئ الاساسية" يتحدث هذا الباب عن العراق ونظامه السياسي وكل ما يتعلق بهويته وديانته. ومعلوم ما يتناوله الباب الاول المكون من عدة مواد.
في الباب الثاني نلتقي مع عنوان رائع جدا هو "الحقوق والحريات" هذا الباب مخصص بالكامل لنا كشعب. ومن الجدير بالقول ان في بابنا الثاني مواد دستورية من اروع ما يكون. لنأخذ مثلا المادة 16 تقول: تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك. ما اروع هذ المادة، وما ابسطها. لكن هل هي مطبقة في ظل وضع سياسي طابعه الاساس تقسيم المناصب على مسطرة المحاصصة. ومن الطريف ان القوى السياسية جميعا تقر بما صنعته المحاصصة من مشاكل وازمات.
لنذهب الى فقرة اخرى ليست اقل جمالا وهي التي تقول: العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة.
هذه المادة جميلة لكنها لم توضع كما يعترف الجميع موضع التنفيذ. وها هي الحكومة تحاول بعد تظاهرات تشرين بالعمل لتطبيقها وتعيين العاطلين من الخريجين وغيرهم. لكن اية دولة تستطيع ان تستوعب اعداد العاطلين دون ان يكون هناك استثمار حقيقي ينقل اقتصاد البلد الى حال افضل. وفي اعتقادي ان اي نظام سياسي يعتمد على مورد واحد دون الموارد الأخرى فإنّه سيظل نظاما كسيحا يسخر العالم منه.
لن أتطرق لمواد الباب الثاني وهي منعشة لثقة الانسان بنفسه انه يملك كل ما في الباب الثاني من مواد عادلة منصفة تحاول ان تشعر جميع الداخلين من ذلك الباب انهم مصانون ولن يتعرضوا لاية متاعب. في الحقيقة هذا ما افهمه من الباب الثاني الذي دخلنا فيه كشعب منذ عام 2005 وحتى هذه اللحظة نحن نواجه شبح الفساد والمحاصصة بكل تاثيرهما السيء.
في الباب الذهبي الثالث يختلف الامر عنه في بابنا العتيق. عنوان ذلك الباب الثالث هو "السلطات الاتحادية" ويشرحها الدستور بانها السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
هنا خلف الباب الذهبي تختلف الحياة تماما لأنّها حياة معقدة تتعلق بادارة البلد وصلاحيات كل من مجلس النواب ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية. كما نعرف أنّ الداخلين الى الباب الثالث هم من يقودون البلد من الاحزاب السياسية وخاصة البرلمان، وبعد ذلك الحكومة التي تتشكل من اتفاق الكتل في البرلمان.
إذن خلف بابنا يبدأ عالمنا نحن او بالتحديد عالم المتظاهرين السلميين الذين يبحثون عن وطن. وهناك خلف الباب الثالث تعمل السلطة بكل مفاصلها لتقريب المسافة من مواطني الباب الثاني من خلال قوانين واصلاحات لم تحصل على مقبولية لدى المتظاهرين حتى الان.