مكنزي البغداديَّة الراحلة

ثقافة 2019/11/27
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
 أشارت الأخبار منذ فترة وجيزة أن موقع مكتبة مكنزي، المكتبة البغدادية العريقة، تم حرقه مؤخرا.
كانت هذه المكتبة البغدادية العريقة تقع عند مدخل الشارع الكلاسيكي الجميل الذي يخرج من شارع الرشيد باتجاه غرفة تجارة بغداد المطلّة على دجلة. كان هذا الشارع المهيب البناء جزءا من مقتربات بيت اللنج، وبيت اللنج شركة بريطانية كانت تشرف على النقل المائي زمن الانكليز وقد ألغي امتيازها منذ خمسينات القرن الماضي.
مكتبة مكنزي سادتي الكرام كانت تقع في رقبة ذلك الشارع وتقابلها  في الجانب الآخر من الشارع تكية البدوي.
الآن صارت صورة الموقع واضحة، لكن حسرة المثقف على ضياع معلم ثقافي عراقي بغدادي  كبيرة، رغم أن هذه المكتبة كانت تستورد وتبيع الكتب الأجنبية، وقد تأسست سنة 1920 من قبل المستر هنري بومان في موقع صغير في قشلة بغداد-أول الأمر- ثم تولى السيد كينيث مكنزي نقلها الى موقعها الذي هدمت اجزاء منه بعد عام 1968 ثمّ أحترقت بقاياه مؤخرا لتضيع جوانب من صورة مضيئة للثقافة في العراق.
ماذا تعني مكتبة مكنزي لنا وهي مجرد مكتبة (كانت) تبيع كتبا؟
تعد مكتبة مكنزي التي أدارها كريم مكنزي بعد رحيل السيد دونالد مكنزي واحدة من أبرز المعالم الثقافية في بغداد وفي هذا الشارع العتيد.
كانت ملتقى للكثير من مثقفي بغداد وسياسييها ومنهم: أرشد العمري ونصرت الفارسي وحسين جميل وجبرا إبراهيم جبرا وإبراهيم كبة وطلعت الشيباني ورفعت الجادرجي ونهاد التكرلي  وعبد المجيد الونداوي وعبد الملك نوري وعدد كبير من رجال الثقافة والسياسة وأساتذة اللغات الأجنبية في كليات بغداد قبيل تأسيس الجامعة مثل المستر بومان من كلية دار المعلمين العالية و المستر غوث من كلية الآداب ودزموند ستيوارت الذي درس في الكليتين، وكان صديقا حميما لجبرا وإبراهيم اليتيم وجميل حمودي وسواهم.
كانت لقاءات الساسة والمثقفين في (مكنزي) تتم من اجل النقاش في كتاب وصل مؤخرا، وكان دزموند ستيوارت الذي كتب رواية (الأنكليزي غير المرغوب فيه) التي ترجمت في الخمسينيات الى العربية قد كتب عن الانتلجنسيا العراقية وشارع الرشيد ايام الخمسينات ومكتبة مكنزي، وكان جبرا قد أصدر روايته (صيادون في شارع ضيق) بالانكليزية وترجمها محمد عصفور الى العربية وقد صور فيها مكتبة مكنزي كجزء من حركة الثقافة البغدادية بادارة صاحبها كريم الذي أطلق عليه اسم (مثيل).
ولا بدَّ من الاشارة الى أن الجهة المقابلة للمكتبة عبر شارع الرشيد اي الجهة المقابلة  لمكان المكتبة كانت تقع مقهى (السويس بوفيه) التي كان يجلس فيها عِليَّة الكتاب والمثقفين واساتذة الجامعات وتمتاز بإدارتها المتقدمة (النازكة) واسلوب تقديم القهوة التركية والقهوة بالحليب فيها فضلا عن البطارخ الخاصة بها.الذي يجلس في السويس بوفيه قد يذهب الى (مكنزي) عبر الشارع إذا استفزّه الحديث عن كتاب وصل حديثا أوقد ينتقل الى مشرب (شريف وحداد) عند رأس جسر مود (الاحرار) او يتناول الطعام في مطعم (عمو الياس) الذي كان يقع جوار المقهى البرازيليّة التي هدمت وضاع معلم مهم آخر من معالم شارع الرشيد.
ضاعت (مكنزي) وراحت (السويس بوفيه) و (البرازيلية) و (عمو الياس) ومكتبات الشارع العتيد وسينماته، وبذلك ضاعت (بغداد) في (بغداد) كما قال طرّاد الكبيسي يوما.