عباس الصبّاغ
كمواطن عراقي مازلت أترقّب صدور قانون (من أين لك هذا؟) المأمول اصداره من قبل مجلس الوزراء ولعرضه على البرلمان من اجل اقراره ليأخذ مجراه القانوني، وفي مسعى حثيث يندرج في إطار جهود الحكومة المتواصلة ضمن الحزم الإصلاحية التي أطلقتها بعد اندلاع التظاهرات المليونية الحاشدة وللاستجابة الى مطالب المتظاهرين السلميين المشروعة التي تتضمن الشروع الفوري بالاصلاح والقضاء على الفساد واسترجاع الاموال التي نُهبت ومحاسبة
السراق.
التساؤل الذي يتضمنه هذا القانون (من أين) هو موجّه لكل الطبقة السياسية ومن كانت بيده زمام الامور منذ 2003 وحتى الان وبدون استثناء، وليشمل الجميع سواء منهم الموجودون في السلطة أم من اصبحوا خارجها، ومن المفروض ان لا تكون لهم حصانة امام هذا القانون وستتم مساءلتهم من قبل القضاء والنزاهة عما يمتلكونه من اموال ومن اين اتت واين صُرفت، ويلزم هذا القانون الاجابة عن هذا التساؤل القانوني من قبل جميع الطبقة السياسية والتي تحولت الى (طبقية) سياسية بالإجابة الصريحة عنه دون لف او دوران او تدليس، وفي هذه الحالة سيتم رفع النقاب عن الخلل البنيوي الكبير في منظومة القوانين والتشريعات التي سمحت بتكدّس الثروات بطرائق غير مشروعة في جيوب البعض القليل على حساب بقية المواطنين وهي الاغلبية الساحقة للشعب الذي بقي يعاني من شظف العيش ومن الرزوح تحت هامش خط للفقر، ناهيك عن المعاناة المستديمة من عاملي البطالة المقنعة وشحة فرص التوظيف الحكومي وخاصة الخريجين وحملة الشهادات العليا، وثانيا للكشف عن حجم الاموال «الفلكية» التي تسرّبت وتبخّرت واسترجاع مايمكن استرجاعه منها.
إنّ تفعيل قانون (من أين لك هذا؟) سيكشف ايضا عن مصير الموازنات التي كانت تسمى «بالانفجارية» والتي لم يجنِ منها الشارع العراقي سوى الخيبة وانعدام الثقة بالعملية السياسية، بل وضياع الكثير من فرص التقدم والازدهار والتنمية المستدامة التي تجعل المواطن يهنأ في ظل عيش كريم يليق به، فالشارع العراقي الغاضب يأمل كحد ادنى ان يكون تفعيل هذا القانون كبادرة حسن نية في مسعى الحكومة الاصلاحي ولامتصاص غضب الشارع المطالب بالإصلاحات العاجلة والتي طال انتظارها لأكثر من 16 سنة ونيف، والامل يبقى معقودا بالنتائج التي سيسفر عنها رضوخ الطبقة السياسية لبنود هذا القانون، وفي حال تنفيذه سيعرف الشارع العراقي اين «تبخرت» الاموال العامة وكيف.
مطلب (من أين لك هذا؟) وهو مطلب إصلاحي جماهيري يختزل في ان واحد اغلب الأهداف التي انتفض من اجلها الشارع العراقي في وسط البلاد وجنوبها في حراك إصلاحي عارم ضد الفساد الذي استشرى في كل مفصل من مفاصل الأداء الحكومي وضد الهدر المبرمج للمال العام ما ادى الى تعريض الدولة العراقية الى شبح الافلاس في وقت يعاني فيه المواطن العراقي البسيط من وصول المستوى الخدماتي / المعيشي الى مستويات متدنية جدا وغير مسبوقة عالميا، وتكشف عن البون الشاسع وانعدام العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات والاختلال الكبير والواضح في معدلات توزيع الدخل القومي للفرد العراقي وعن مقدار الامتعاض الشعبي من الآليات والتشريعات التي ساهمت في هذا الاختلال الصارخ والتناقض الحادّ مابين فئتين: الاولى (الطبقة السياسية) التي تعيش فوق مستوى الغنى واخرى (الشارع العراقي) والتي تعيش اغلبها تحت مستوى الفقر او على حافته وهم عموم الشعب العراقي الذي انتفض مطالبا بالإصلاح المفضي الى تحقيق العدالة وتقليل الفوارق الطبقية التي أوجدتها الآليات القانونية المبتسرة والممارسات الحكومية الخاطئة وقلة الخبرة في إدارة الدولة في تجربتها الديمقراطية
الفتية.
فمن غير المعقول ان يعيش الملايين على فتات الموازنات «الانفجارية» في وقت تهدر مبالغ فلكية لطبقة سياسية محدودة لذا يجب تصحيح هذا المسار الخاطئ فالشارع العراقي عانى الكثير من جميع الحكومات المتعاقبة سواء من كان منها قبل التغيير النيساني او من جاءت بعده بشتى اشكال المعاناة، ولهذا السبب انتفض في تظاهراته المليونية العارمة ليضع الاداء الحكومي على السكة الصحيحة وليضع حدا للمعاناة التي مازالت تثقل كاهل المواطن العراقي وتجلد ظهره بسوط الحرمان والفقر المدقع وهو يعيش على بحر من الثروات التي يحسدهم عليها الكثير من الشعوب والامم.