ملامح الجمال المنبعث من القبح

ثقافة 2019/11/30
...

يوسف عبود جويعد
بعد الانتهاء من متابعة نصوص المجموعة القصصية (الولد الذي رأى برهان أمّه) للقاص عزيز الشعباني، تتوضح أمامنا الرؤية الفنية الشاملة لمسار بناء تلك النصوص، مع ما تحمله من أفكار وثيم وموضوعات متنوعة، أشبه بمائدة كبيرة وضعت عليها أطباق مختلفة من الاطعمة والفواكه والمقبلات، والذي يختلف فيه مذاق طبق عن آخر وفق ما يحتويه من نوع وشكل غذائي لا ينتمي الى الأطباق الاخرى، وكما تشير بنية العنونة، والتي فيها إشارة سيميائية واضحة للمحاور الرئيسة التي استندت عليها تلك النصوص، إذ تشير الى علاقة تلك النصوص بالجانب الديني، والذي يضعنا القاص من خلالها مع الأفكار والتقاليد والعقائد البالية القديمة التي أكل الدهر وشرب عليها وما عادت تنسجم وواقع حياتنا الواعية، المحور الثاني الذي وظف في تلك النصوص الاختلال التوازني في النظم الحياتية، بسبب الصراع الدائر بين موروثنا القديم وحالة الفوضى التي عصفت بحياتنا وجعلتنا نعيش حالة من التذبذب المرتبك لعدم وضوح الرؤية، واكتناف الحياة الحالية هالة مضببة تمنع رؤيتها بوضوح، ما ينعكس ذلك على الوقائع والاحداث التي استجزأها القاص من حياتنا الراهنة المرتبطة بالماضي، المحور الثالث هو ما ظهر على أبناء هذا البلد من أمراض نفسية معقدة من هول الكوارث والازمات والحروب التي احيقت بهذا البلد، ومن كل هذا تنبثق الصورة الجمالية التي نثرها القاص على متن تلك النصوص، فكلما ظهرت ملامح القبح انشطرت منه هالة ضوئية تمثل وجه الجمال للحياة التي نرغب. 
وهكذا نستطيع أن نستخلص البُعد الايماني الواعي، والبُعد الايماني المتخلف. 
في قصة (أحلام السيد الرئيس) نعيش مع شخصية في حلم دائم، كونه يحلم بأنْ يكون رئيساً للوزراء، ويحلم أحلاماً مكملة لهذا الحلم، وكل تلك الاحلام تعلق على الجدار لتنتهي تلك الحكاية: 
(ما عليكم سوى أنْ تعذروني، أيها الشعب، لا مفر، سأمتلك أرواحكم وأجسادكم، سأكونكم جميعاً، ما دامت أحلامكم معلقة على جدار الغرفة!) ص 38 
وفي قصة (جرح لا يبكي) نكون مع بطل هذا النص، الذي قرر أنْ يترك السياسة ويعيش مع الناس وحياتهم، ويجد طفلاً مشرداً لم يذق الخبز منذ أيام، وهو يكسر النور، وعندما يستفسر منه عن الأسباب يجد انه يعيش حياة مأساوية بعد رحيل أبيه الى الملكوت الاعلى: 
(قال: أنا البلد النائم في إشارات المرور.. أنا المتكور في الساحات.. أنا ابن ام تبكي وأب مفقود).
اصطكت أسناني من الإهانة.
لذلك عدت للكتابة والسياسة.
عاهرة ترثي عاهرة. 
وهكذا نجد هذا الاختلاف في موازين الحياة وهي تفتقر الى النظام القويم وانعدام العدالة هو المحور الذي يجتاح هذا النص.
أما قصة (في اللوحة جرح ثان) فإنها تأخذنا الى مسارات سردية متعددة، ومعالجات فنية متقنة، مع تضمينها الوعي الفلسفي والنفسي، وتقدم لنا حالة نادرة حدثت من واقع حياتنا المرتبك، وقد وظف فيها اللوحة الفنية لتكون مع مسار مبنى النص، وكذلك الموسيقى، وهي تقدم لنا عالماً مصاباً بالجنون، لكنَّ اكتشافنا له مضمر ضمن متن النص، حيث نكون مع طبيب نفسي يدخل أحد بيوت مرضاه، وهي امرأة أصيبت بحالة نفسية، حيث إنَّها صامتة ولا تتكلم أبداً، بعد أنْ شاهدت منظراً مروعاً وجريمة بشعة حدثت أمامها، ما سبب ذلك بإصابتها بهذا المرض النفسي، وبعد تأمل اللوحة والاستماع الى عزف على البيانو من قبل الابنة، وبعد أنْ تحدث الزوج عن حالتها نكتشف:
(قبل سبعة أشهر، اقتحم بيتنا مقنعون، نحروا ابنها كالشاة أمامها وعلى مرأى مني ومن أخته وفي اليوم التالي اعتذروا لنا!
لم نكن المقصودين بهذا القتل، كانت العملية مجرد اشتباه!
أما هذا العزف والغناء الذي استمعت له من ابنتي الراشدة، فنحن نعلق عليه وعلى مسليات أخرى أملاً كبيراً يخرج أمها من دائرة الحزن ويعيد توازنها). ص 57 
ومع هذا العالم المجنون الذي يبيح ذبح الإنسان والاعتذار بهذه السهولة نعيش تلك الأحداث الذي تناولها القاص برؤية فنيَّة حديثة مستخدماً كل المؤثرات التي من شأنها أنْ تحيط فضاء النص بهالة من التساؤلات والتأملات الكبيرة لتوضع أمام من يدير دفة هذه البلاد، وكأنها استغاثة تنطلق من مضمون هذه الحكاية.
أما قصة (ذلك الخميس!) فنعيش أحداث أحد طلبة الإعدادي، وهو يروي لنا حكايته مع معلم اللغة العربية، الذي كان يطلب منهم كتابة القصص، وكان يحب قصصه ويقرأها على الطلبة كقصة مفضلة، إلا أنه وعندما بدأت بوادر حرب الثماني سنوات طلب منهم كتابة قصة عن آثار الحرب، وطلب منهم حرية الاختيار، الا أن الطالب بطل هذا النص، يأتي بفكرة غريبة.