حسين رشيد
من بين ما تعنيه الثقافة أنْ نكون بشراً أولاً ومواطنين ثانياً، مواطنين صالحين يشعرون بالمسؤولية، التي تسهم ببناء مجتمع البشرية البعيد عن الصراعات وإنْ وجدت فهي ليست بالصراعات الدموية أو التخريبية التي ترفع تسمية البشرية عن المجتمع والذي قبل ذلك تخلى عن الثقافة أو ابتعد عنها لجملة من الأسباب والمسببات قد يكون في مقدمتها المتغيرات السياسية والتقلبات الاقتصادية والمنعطفات الاجتماعية التي تؤثر في حياة الشعوب.
لا يمكن أنْ تنفصل الثقافة في التقليد الفكري عن المجتمع، مثلما لا يمكن أنْ تتطابق معه تماماً، كذلك لا بدَّ أنْ تحتفظ ببعدها الاجتماعي، وأعتقد أنَّ هذه مهمة صعبة وعويصة خاصة في بلد مثل العراق يعيش على رَحى المتغيرات والمتقلبات والمنعطفات التاريخيَّة، بالتالي ثمة صعوبة في توجيه البوصلة إنْ كانت الثقافة المؤسساتيَّة أو الفرديَّة لكل مثقف إنْ كان كاتباً، أو صحافياً، أو أديباً شاعراً أو سارداً أو ناقداً أو فناناً أو أستاذاً أكاديمياً.
وبما أنَّ من ضمن ما تعنيه الثقافة أنْ نكون مواطنين صالحين متحابين متماسكين متسامحين، يوجب هذا أنْ يكون المثقف بمصاف أعلى، إذ يكون هو من يدعو لذلك ويروج له ويعمل عليه، لأجل بناء مجتمع صحي سليم، مجتمع التعايش والتماسك والتصالح، مجتمع الإنتاج والالتزام بالقوانين، والحرص على سلامة المواطن والوطن، مجتمع خالٍ من الضغائن والترويج للكراهية والعنف والإقصاء، لكنْ كيف إذا كان "المثقف" من يدعو لذلك، ويعمل عليه إنْ كان وفق رؤية خاصة أو تبنيه فكرة جماعة معينة تهدف الى مصالحها الخاصة على حساب التكاتف المجتمعي وإثارة النعرات والأحقاد. تبني أي موقف يفترض أنْ يكون خاضعاً لجملة مفاهيم في مقدمتها الاقتناع بحرية رأي الآخر وتطلعه، وإنْ كان ثمة رأي آخر ومغاير يفترض أنْ يكون ضمن المفاهيم والرؤى الإنسانيَّة القابلة للتداول والنقاش ووفق المصلحة العامة، وليس وفق تبني وجهة نظر تخوينيَّة أو تكفيريَّة تستند الى أحداثٍ تاريخيَّة قديمة لا علاقة لها بالعالم الحديث عالم الاتصال والتواصل، وتكنولوجيا المعلومات، عالم القرية الكونية الفسيحة، العالم الرقمي الذي لم يعد هناك ثمة مخفي أو مجهول إلا وقد كشفه وقدمه، بالتالي كل ذلك وغيره من قوانين أمميَّة ودوليَّة في مقدمتها قانون حقوق الإنسان يجب أنْ تكون دافعة نحو أنْ يكون المثقف أداة سلام ودفاع عن الناس وليس أداة قتل.
ثمة اختلافٌ بوجهات النظر بين المثقفين العراقيين توسعت فجوتها بعد أحداث 2014 واستيلاء عصابات داعش الإرهابيَّة على عددٍ من المدن العراقية، ذلك الاختلاف أشعل منصات التواصل الاجتماعي بسيلٍ من الكراهية والحقد، وخطاب تم تبنيه من قبل أدباء وكتاب وفناني الطوائف والملل، استمر حتى بعد تحرير المدن، بل إنه وصل قمته أثناء معارك التحرير حين كان المقاتلون يتسابقون لحماية الشعب واستعادة الأرض كانت البعض من "النخب" الثقافيَّة أدوات قتل وتبرير لجرائم، ومع حركة الاحتجاجات الأخيرة، عاود البعض منهم الاصطفاف هذه المرة وإعادة شعارات التخوين على التظاهرات التي اعترفت كل القوى السياسيَّة والدينيَّة بشرعيتها وضرورة استمرارها، لكنَّ أولئك "المثقفين" رجالات الجيوش الالكترونية، موظفي الواتساب ومواقع التواصل الاجتماعي لم يملوا ويكلوا من الترويج لخطاب الكراهيَّة وتبرير العنف ضد المتظاهرين وهم يدسون السم بالعسل، ما يدعو أنْ نعود الى التعريف البدائي للثقافة (تهذيب النفس).