السخرية حين تطرح قضية

ثقافة 2019/12/02
...

وجدان عبدالعزيز
وأنا أطالع مسرحية (أحزان السنة القادمة) للكاتب علاء كولي، لا بدّ أن أضع أسطرا تترجّم ماهية وتاريخ الكتابة، وخاصة الكتابة المسرحية، فنحن ندرك ان الانسان عرف الكتابة الادبية، منذ آلاف السنين متمثلة في قصص الآلهة الوثنية والأبطال، وكانت الكتابات التي تركها الإنسان القديم تأخذ الطابع الأسطوريّ، ومن ثمّ تطوّرت أشكال الكتابة ومواضيعها مع تطوّر البشرية والخبرات الجديدة، التي اكتسبها الإنسان.
ظهرت الكتابة المسرحيّة بشكلها الحديث في أوروبا في عصر النهضة الذي شهد تحوّلات كبرى في الثقافة والفنون، وكانت أبرز الكتابات المسرحية، التي تعد أمهات النصوص المسرحيّة، هي التي كتبت على يد كلّ من شكسبير في بريطانيا، وغوتة في ألمانيا، لذا تعدّ الكتابة المسرحيّة الحديثة أوروبيّة بامتياز، ومع ذلك فإنّ الكثير من المبدعين العرب، رغم إسهاماتهم المسرحيّة الكبيرة، إلا أن المشهور في العالم، حتى وقتنا هذا الكتابة الأوروبية بالقواعد، التي وضعها نقاد الغرب، ومسرحية كولي جاءت امتدادا لتاريخ الكتابة الانسانية، وقد أظهرت لنا قدرته في الكتابة المسرحية، كونه يمتلك الموهبة في رؤية الواقع وتحليله بشكل عميق وادراك المشاكل ومناقشتها بأسلوب ساخر، وكذلك أظهرت حبّه للمسرح وامتلاكه المرْنة في الكتابة والمعالجة، بعيدا عن الملل، إذ استطاع الكاتب كولي اخذ قسط من الحرية في المناقشة ورفض الواقع، ولذا جسّد قضايا المجتمع، وكان الحوار بين حسن وناجي شخصيات المسرحية، اثبت بما لايقبل الشك أنّ المسرح سيبقى مرآة عاكسة لواقعنا الانساني المعاش، وذلك الانسان المثقل بالهموم الناتجة عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي غير الطبيعي، فالمسرح العاري من التزويق، والصارم كالسيف أمام الحقيقة، آملاً أن يقدم له ما يعينه على الخلاص من هذه الهموم، أو يُنفّس عن الضغوط التي تواجهه، وامام ظروف الاغتراب والإحباط والهزائم والقهر، وجد الكاتب كولي نفسه في السخرية، كوسيلة للتعبير عن تلك الآراء والمواقف، ورسالة مشفّرة يرسلها إلى من يريد متى يشاء؟، مثال ذلك الحوار التالي: (ناجي: ههههه حسن دعني اجرب ذلك... يقولون انها متعة رائعة وطريقة جيدة لتحقيق جزء من احلامك/ حسن: ماذا تعني بذلك؟/ ناجي: اريد ان اصعد فوق اكتافك/ حسن: باستغراب ثمّ يبتعد مسافة عنه.. ويسأله ماهذا (الخبل) الذي تريده، هل جننت؟ لن اقبل بذلك (ثم يدير ظهره)/ ناجي: لا ياصديقي انها تتعلق بخدمة الوطن.. دعني اجرب ذلك/، وسأعلمك كيف يحصل ذلك/ حسن: حسناً... ربما انك اقنعتني لنرى جنونك ايها الاحمق.. (يجلس على ركبتيه لكي يصعد ناجي)/ ناجي: (بعد ان صعد على كتف حسن): هههههه.. هكذا يصعدون على أكتاف الفقراء.. أكتاف الفقراء (قوية) وتتقبّل هذا الصعود.. الله إنّه شعور جميل ورائع.. ان اصعد على كتف احدهم.. الله على هذا../ حسن (يلحق نفسه ثم يقذفه الى اسفل بحركة سريعة)../ ناجي: آه.. ظهري يؤلمني.. لماذا قذفتني هكذا كنت امثل دور من يصعدون على الاكتاف/ حسن: أنا اردت ان اريك كيف يمكن للفقراء ان يقذفوا احدهم حينما يطيل الصعود)، هذا النص ثورة احتجاجية ضد طغيان السياسيين، حينما يحلقون في كراسي الحكم، وينسون رعيتهم، ولات حين مناص، وتستمر حوارات ناجي وحسن الساخرة، ومن خلال هذا طرح الكاتب علاء كولي كل القضايا، التي أراد طرحها وقاد القارئ لنصّه المسرحي بهدوء مع طرح المعالجات الضمنية، واعطي مثالا قول الشريف الجرجاني: إن (المعاني هي الصور الذهنية من حيث وضع بإزائها الألفاظ، والصور الحاصلة في العقل، فمن حيث أنّها تقصد باللفظ سميت معنى، ومن حيث أنّها تحصل من اللفظ في العقل سميت مفهومًا، ومن حيث أنه مقول في جواب (ماهو) سميت ماهية، ومن حيث ثبوته في الخارج سميت حقيقة، ومن حيث امتيازه من الأغيار سميت هوية)، وكانت سخرية علاء كولي شبه تهريجية، (فالتهريج أوالسخرية هو أدنى أنواع الكوميديا، فالكوميديا تعمل منذ اختراعها على نقد السلوكيات الاجتماعية الخاطئة، في سبيل تخليص وتطهير هذا المجتمع من هذه السلوكيات وإعادة توازنه إليه، عبر الضحك فيتطهّر منها كنتيجة للدراما حسب المفهوم الأرسطي، لذا كانت الكوميديا أكثر اقتراباً من المجتمع من أيّ شكل آخر من أشكال الدراما، وشرط من شروط سموها ورقيها هو اقترابها من الحياة كما يقول الفيلسوف الفرنسي هنري لويس برجسون في كتابه (الضحك): "نجدها – يعني الكوميديا- تسمو كلّما مالت إلى الامتزاج بالحياة". وهناك مشاهد كثيرة من الحياة الواقعية تقترب من الملهاة الراقية، بحيث يمكن للمسرح أن يستعيرها دون أن يغير فيها كلمة واحدة).. اذن مسرحية علاء كولي حملت لنا الكثير من الهموم الوطنية، والاجتماعية، والاقتصادية، وافرازات هذا النفس الانساني وعلى العلاقات العامة، غير ان المسرحية في مساراتها العامة لم تغفل المنطلقات الجمالية، وبهذا استحق الكاتب بهذه المسرحية عضوية اتحاد الادباء والكتاب في العراق، وطبعها ونشرها، وهي تنبئ بولادة كاتب جديد، ان حاول تطوير ادواته وثقافته.. 
ـ مسرحية (احزان السنة القادمة) للكاتب علاء كولي/ اصدار الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ـ بغداد الطبعة الاولى 2019م.