رسائل لفكِّ الشفرة

ثقافة 2019/12/02
...

نسرين البخشونجي
 
"قل لها إنّي تعلّمت أشياء كثيرة في هذين اليومين.. منكم" قالت تماضر لشهاب حين سألها عن رسالة اليوم التي ستكتبها لأمّه ليلى. هكذا أرادت "عفاف طباله" أن تجعل من إعادة اكتشاف الذات فكرة رئيسية لروايتها "فك شفرة". التي تدور قصتها حول ثلاثة أطفال يقيمون في المدينة شهاب وتومي أخته الصغيرة وصديق طفولته فادي الذي هاجر لدولة أجنبية منذ عدة سنوات. لظروف طارئة تضطر د.ليلى أن ترسل الأطفال الثلاثة إلى إحدى القرى المصريّة ليقيموا في بيت الأستاذة تماضر، حيث يلتقون لأول مرة بها – تماضر- والبروفيسور علي، الطفلة أمينة. 
يختلف ردّ فعل كل طفل حين يصلون إلى بيت الأستاذة تماضر ذي القباب، فشهاب يستنكر، وفادي يشعر بالإثارة بينما تشعر تومي بالخوف لأنّها نست دبّها "ساسو" في السيارة التي اوصلتهم للمكان وعادت إلى المدينة. في المقابل تشعر تماضر انها تورطت في الأمر، أمّا أمينة فترى ضيوفا غرباء للمرة الأولى في حياتها وهذا يشعرها بقليل من التوتر.
مواجهة النفس بأخطائها كانت إحدى الرسائل المهمة في رواية "فك شفرة" إذ دفعت مفاجأة قدوم الأطفال للإقامة في بيت تماضر لمدة اسبوع تذكرها بالماضي المؤلم. فتماضر المعلّمة التي تنتصر للتربية على حساب تحصيل الدرجات العلمية العالية دفع أولياء أمور طلبة فصلها للمطالبة بالتحقيق معها في اتهام ظالم بانها معلّمة فاشلة. فاتخذت قرارها بالانسحاب تماما من المشهد. لكنها بوجود الأطفال استطاعت ان تواجه نفسها "ما العزلة إلا عقاب للمظلوم ومكافأة للظالم. والجرح الذي يخلفه الظلم لا يداويه إلا الانخراط في الحياة".
لعبت الرسائل دورا كبيرا كوسيلة للتواصل بين د.ليلى، والدة الأطفال شهاب وتومي، وأستاذتها تماضر.
 بدأت بالرسالة الأولى المكتوبة على ورقة عادية ولكن بمرور الوقت تتحول إلى رسائل إلكترونية عبر موقع الفيس بوك. الرسالة الأولى "رسالة الوصول" تضمنت أسباب حضور الأطفال وتعريف "فك شفرة" لكل شخصية، بينما احتوت الرسائل اليومية على تقارير سريعة عن أحداث اليوم. 
لم تستخدم الكاتبة عفاف طباله فكرة الصراع بين الماضي والحاضر كوسيلة للدفاع عن أي عصر وإنّما تعمّدت إظهار ضرورة البقاء على ما هو قديم و"مفيد" مثل الجرس الحديد الذي تستخدمه تماضر لجمع الأطفال أو ذلك الموجود على البوابة للتنبيه بوجود زوار لتفادي مشكلة انقطاع الكهرباء. واستغلال التكنولوجيا الحديثة فيما يفيد ونبذ ما "يضر" وبرز ذلك في الاستخدام المزدوج لموقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، حين كان سببا رئيسيا في التواصل بين الأستاذة تماضر والدكتورة ليلى، وتعرف لصوص الآثار على مكان الحجر الأثري من خلال الصور التي نشرها فادي عبر حسابه الشخصي على نفس
 الموقع.
في روايتها الحاصلة على جائزة خليفة التربوية لعام 2017, برعت عفاف طباله في كتابة نص سردي محكم يتسم بالمشهديّة "كانت لیلى جالسة في مواجهة الشرفة". لما رآها شهاب استدار وأعطى ظهره لها لتكون تومي في مواجهتها وقال لها: "یمكنك الآن أن تفتحي عینیك". صرخت تومي من الفرحة والمفاجأة. انسلت من بین یدیه وجرت نحو أمّها. انتظر شهاب حتى اكتفت تومي من أحضان وقبلات أمّها ثمّ تقدم برزانة رجل ناضج ومد یده لها. جذبتها نحوها واحتضنتها وهي تكاد تبكي من السعادة؛ فلم یحدث أن رأته من قبل یحمل أخته بمثل هذا
 الحنان".