مسار العراق.. ديموقراطية أم غيرها؟
آراء
2019/12/02
+A
-A
لقمان عبد الرحيم الفيلي
هناك شعور عام وكبير أنّ جمهورية عراق 2003 لم تلبِ طموح مواطنيها واحتياجاتهم على الرغم من معاناتهم لعقود من استبداد الدكتاتوريات وعسكرة المجتمع وحصار دولي سياسي واقتصادي مريع أدى الى شعور مجتمعي بالظلم من قبل الحكومة والعالم الخارجي. الحديث عن الحاجة الى جمهورية جديدة او اعادة النظر بجدية في فعالية النظام السياسي الحالي حديث مفيد وضروري ولكنه لا يخلو من مخاطرات ومتاعب وارهاق سياسي ومجتمعي. وقبلها يأتي السؤال عن اي أسس وقواعد حوار يتم تداول هذا الموضوع الحيوي؟ هل يا ترى فحصنا بعناية في الدستور الحالي لنرى ما هو مفيد من عدمه؟ او اجرينا استبيانات رأي لنخبنا؟ او مؤتمرات علمية لمتخصصين في الدساتير وعلوم إدارة الدولة؟ او تجمعات شعبية للحوار ومناقشة مثل هذه التحديات وذلك لتقييم دستورنا ونظامنا السياسي وما هو المطلوب منه.
كلنا يعلم بأنّه كان هناك تحذيرات، من مراقبين ملمين بالحالة العراقية، بشأن إمكانية حصول انسداد سياسي ومجتمعي قريباً وتم منذ مدة ليست بالقصيرة، ولكن ضجيج السياسة والتلوث البيئي السياسي منع وحجب المتصدّين للقيادة من اخذ إجراءات استباقية تمنع وقوع الانفجار. وهنا نرى ان الحاجة ومجريات الاحداث والمعاناة اليومية للمواطنين تتطلب منا ان نضع اللوم على جانب ونبحث سويةً عن خارطة طريق توفر لنا بعض الحلول الآنيّة لفكّ هذا الانسداد الخطير. فالدماء تراق في شوارعنا، والدول بدأت تغلق أبوابها امامنا بعد انفراج طال امد انتظاره. نحن امام مفترق طرق، فأي السبيلين نريد ان نسلك، ديموقراطية وتعددية حسب روح الدستور، ام انغلاقا وانحصارا في شتاء سياسي قد يطول؟.
الان بعد تفجّر الوضع الداخلي العراقي وحدوث تظاهرات واعتصامات وبمشاركة طبقات المجتمع المتعددة وفي مواقع جغرافية مختلفة، رافقتها اعمال شغب وحرق للمال العام والخاص من قبل المغرضين والحاقدين، نجد انفسنا نسابق الزمن للحصول على إجابات ضرورية حول طبيعة النظام المناسب لنا كعراقيين. خاصةً وأنّنا لا نملك الوقت لمؤتمرات طويلة، ولا نملك التخويل من الشعب والمتظاهرين لأخذ فسحة مناسبة من الوقت لطرح المبادرات المتعددة والتداول مع الأطراف المعنية والاتفاق على حلول ووضع خارطة طريق تفصيلية تبيّن كيفية تفعيلها ومتابعتها وادامتها. اذ ان المتظاهر الذي خرج لا يريد ان يعود الى بيته خالي الوفاض، والمرجع الأعلى الذي أصر في خطبه على معاقبة القتلة سوف لن يرضى بالتسويف والمماطلة، وفي الوقت نفسه نرى رجل الدولة السياسي او المهني لا يريد لهذه الاضطرابات ان تستمر كجزء من يوميات حياته وادارته للدولة والشأن العام. فالخطر عاجل وواضح والحلول مبهمة او غير متفق عليها بين الفرقاء بعد.
ومع أنّ الحكومة والرئاسات الثلاث قد تمّ التصويت عليهم من قبل أعضاء مجلس النواب المنتخب الا اننا نرى تزايد الصيحات حول مدى تفاعل السلطات الثلاث مع هذا التخويل وان هناك حاجة لتهيئة الأساس والتشريعات لانتخابات جديدة ان اضطررنا لها. حتى هذه اللحظة هناك متظاهرون اصبح صوت احتجاجاتهم عاليا، وحكومة منتخبة مسؤولة عن إحلال النظام، وهناك اغلبية صامتة لم تقرر بعد متى تحسم خياراتها مع او ضد أي طرف. فأين يكمن زر إعادة ضبط الإيقاع العراقي للخروج من هذه الأزمة او بالأحرى لأنهاء يوميات الأزمات المزمنة؟
من جانب آخر نعرف أن تعقيدات الحالة السياسية العراقية ليست بغريبة على المتابع، اذ نرى كل يوم ولادة كيان سياسي جديد بعد مخاض طويل، او انتحار مبادرة حديثة العهد، او وفاة ائتلاف قديم وهلم جرا. مبادرات وطروحات وخرائط طريق تطرح بالسر والعلن للكثير من الشخصيات والكيانات للخروج من ازمة العراق الحالية. بعضها يحمل معالم حل جذري يتضمن الاستعداد لتغيير نظام الحكم، والبعض الآخر يتحدث عن تغيير أشخاص فقط لا آليّة حكم ومنهجها. بعضهم ينظر إلى الخصوصية العراقية كحالة فريدة وهو غير مستعد لمقارنتها بتجارب اقوام آخرين، ونرى من جانب آخر من يريد ان يستورد الحلول من وراء الحدود ويلبسها على الجسد العراقي. وسط هذا وذاك من يا ترى يتحدث عن المرجو من عقيدة الدولة وقواعدها الفكرية والفلسفية والأخلاقية لتحدد بوصلة قبول او رفض هذه المبادرات وخرائط الطريق اللازمة لها؟
هنا نحتاج الى وقفة لنحدد الهدف المنشود للمجتمع وطبيعة استعداده لتحمل عقبات ومطبات هذه المسيرة، فلا يمكن ان نتحول الى بلد متقدم بديموقراطيته في ليلة وضحاها، بل سنحتاج الى بضعة عقود من الزمن وخصوصًا واننا في منطقة، او مجتمعات، غير مهيئة لمنظومات ديموقراطية. مدركين كل الإدراك من جانب آخر اننا لا يمكن ان نرجع الى حكم الفرد والحزب الشمولي من دون التنازل عن حقنا في الكثير من المكتسبات التي دفعنا ثمنها غالياً. قبل هذا وذلك ممكن ان نسأل أنفسنا اين نحن من الديموقراطية والحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية وتطبيق المعايير العالمية لحقوق الانسان، فبعد حقبة الجمهوريات الديكتاتورية والحكومات العسكرية والانقلابات الحزبية والفئوية جاءت جمهورية عراق ما بعد 2005 لتمنحنا ما لم نكن نملكه من قبل.
لدينا دستور 2005 بمواده المصوت عليها، هذه الوثيقة تجيب على الكثير من الأسئلة المهمة وفي الوقت نفسه تطرح أسئلة تفصيلية اكثر. دستورنا يجعلنا لا نحتاج ان نرجع لوثيقة الماغناكارتا البريطانية او اعلان حقوق الانسان للثورة الفرنسية او حتى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948.
ولكن يبقى السؤال عن أي الحقوق نريد ان نتنازل وايها مستعدون ان نقاتل ونجاهد من اجلها؟ ومع كل حق وواجب تأتي المسؤولية، مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها في صيانة حقوقهم، ومسؤولية مواطنيها في صيانة حقوق المجتمع ومن ثمّ الدولة. فمع سعي كلا الطرفين للحصول على مكتسبات ثروات البلاد تأتي أيضا مسؤولية تضامنهم وتجانسهم وحماية احدهما للآخر حفظاً للمال العام والخاص. عندها نستطيع ان ندّعي أننا أمام معادلة ترسّخ وتديم سبل الدولة الحضارية. ولعل هناك سائل يسأل أي حقوق نتحدث عنها، نقول هناك الكثير من الحقوق مثل حق التفكير والحرية والأمان والتعليم والسكن والسفر والتعبير الخ، بعضها يسبق الاخر في الأولوية، وبعضها يهيئ للآخر مستلزمات نموه ونضجه.
أخيرا نقول بأنّ الديموقراطية لا توجد او تستمر او تبقى دون ثمن وجهاد، فهي تأتي وتترسّخ بالسلم لا بالعنف، بالعَرَق لا بالدم، تأتي عندما نرى تغيير الحكومات والأنظمة بالطريقة السلمية لا بالتهديد والوعيد والإكراه، تأتي عندما نعرف أنّ مستقبلنا مرهون بجعل شبابنا عنصرا حيويا ومحركا لإدارة التغيير نحو الرفاه والاستقرار والعدالة المجتمعية.
نحتاج ان نعرف ان الديموقراطية عندنا تترعرع عندما يعرف الطالب ان جهده الدراسي يعني انه سيجد العمل بعد تخرجه، وان سعيه ومشاركته في مشروع "نريد وطن" يعني انه على جادة البناء والسلم والتحرر من قيود المحاصصة والطبقية والفساد الإداري والسياسي.
والديموقراطية ايضاً تترعرع عندما تدرك الحكومات ان بقاءها مرهون بقدرتها على تحقيق أحلام وطموحات الشباب الذي يتظاهر وان انتخابها ليس صكاً على بياض، بل انه عقد اجتماعي مع مواطنيها والذي قد يفسخ اذا ما أخلّت ببنوده. الوطن موجود ومسار العراق بيدنا، فمن يا ترى سيسعى لبنائه على أسس ديموقراطية سليمة؟
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة