السلاح {كلمة}

ثقافة 2019/12/03
...

عالية طالب

 
 
مع كلّ الأسلحة المتطورة التي وجدت لتحصد الانسانية وتغلق مسارات الحياة، يبقى هناك سلاح واحد هو أمضى وأنبل وأقوى من كل أسلحة الفتك .. ألا وهو "الكلمة" وتأثيرها الساحق يأتي بنتائج تديم الحياة وتنقلها الى متغيرات رحبة وايجابية بعكس ما تفعل الاطلاقة حيثما استعملت.
في تاريخنا العربي أسماء كثيرة تركت بصمتها في العقل الجمعي الشعبي والنخبوي، ولعل ابو القاسم الشابي انتقلت كلماته في كل الافواه وهي تهتف "اذا الشعب يوما أراد الحياة  فلا بدَّ أن يستجيب القدر" ومحمود سامي البارودي ومحمود درويش وأمل دنقل وادونيس، والاسماء كبيرة وكثيرة وكلها تؤكد ان سلاح الشاعر "الشعر" وهو ما يحمله وينثره في بيادر الارض فتزهر بتحولات متشعبة.
وغالبا ما يقال ان الشاعر والاديب والقاص هو قائد في مجتمعه، وهو القادر على حمل نور الكلمة التي لا تفسّر الواقع وانما تعمل على احداث التغيير المؤمن بأهمية اللهب حين يدخل الدياجير والازمات ويجيد تفسير الواقع ومعطياته وصولا الى اعادة انتاج واقع آخر يحتفي بالانسان والانسانية ولا يعمل على وأد الخطوة وما سيتوالى بعدها من 
خطوات.
وهنا نستردّ قول أدونيس وهو يصف لحظة الشعر الثورية "الشعر الثوري ليس أداة توعية أو تسييس، ذلك أنه هو نفسه وعي وممارسة سياسية. إنّه فعل وليس دعوة للفعل" .. وهكذا يصبح الشعر والكلمة تأسيسا ولا تسييسا لمنطقة خاصة وفاعلة ومؤثرة وقادرة على خلق بؤر متشعبة تنطلق منها اضاءات الانسانية فتعيد خلق الحياة بصور لا تنتهي.
وهل يمكن لنا ان نتغاضى عن أسماء كتاب عصر الثورات والتنوير "مونتسيكو وجون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسو و "فولتير" وعبارته الشهيرة  "لا يضيرني أن ليس على رأسي تاج مادام في يدي قلم". وهذا القلم هو من أرسل لنا عقل فولتير سنة بعد اخرى والى ما لا ينتهي من اجيال الانسانية التي تعرف ان خلود اسم فولتير عبّدته كلماته وعقله التنويري وليس منصبا سياسيا أو مسؤولية وظيفية.
الشاعر أمل دنقل يرسل نصيحة للاجيال تقول:
لا تصالح ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأُ عينيك
ثم أثبتُ جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياءٌ لا تُشترى!
وكما يفترض بالكلمة ان لا تشترى يوما فإنّ العقل المنتج يجيد الوعي بأهمية ثروة العقل التي تسهم في صياغة خطاب الحياة  الذي يشذب المجتمعات من لغة السلاح القاتل الى لغة السلاح الشعري الادبي وهو يسير وسط الحشود ليهتف للوطن والانسان والارض والانتماء.
ما بين لغة الشعر وسلاح الكلمة تولد الشعوب من جديد وتحمل في العقول ما رسمته كلمات النور القادرة على وقف نزيف الدم والمعول الهدام وارتفاع يد البناء والجمال والفن والابداع، وهي عوامل صناعة الانسان المتخلّص من امراض كثيرة وقادر على احتواء الآخر والبدء دائما بخط شروع متكافل بلغة العقل وليس بسلاح القتل 
والدمار.